الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6322 6323 6324 6325 [ ص: 77 ] ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما ذكرتموه من تحريم النبي -عليه السلام- صيد المدينة وشجرها، فقد كان فعل ذلك ليس أنه جعله كحرمة صيد مكة، ولا حرمة شجرها، ولكنه أراد بذلك بقاء زينة المدينة ليستطيبوها ويألفوها، وقد رأينا رسول الله -عليه السلام- منع من هدم آطام المدينة، وقال: إنها زينة المدينة.

                                                حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال: ثنا يحيى بن معين ، قال: ثنا وهب بن جرير ، عن العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: " نهى رسول الله -عليه السلام- عن آطام المدينة أن تهدم".

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا إسحاق بن محمد الفروي، قال: ثنا العمري. ... ، فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، قال: ثنا عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر أن رسول الله -عليه السلام- قال: " لا تهدموا الآطام ، فإنها زينة المدينة".

                                                حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا أبو مصعب ، قال: ثنا الدراوردي. ... ، فذكر بإسناده مثله.

                                                أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام- نهاهم عن هدم آطام المدينة؛ لأنها زينة لها، قالوا: فكل ما نهاهم عنه من قطع شجرها وقتل صيدها، إنما هو لأن ذلك زينة للمدينة ، فأراد أن يترك لهم فيها زينتها ليألفوها ويطيب لهم بذلك سكناها؛ لا لأنها تكون في ذلك كمكة في حرمة صيدها ونباتها ووجوب الجزاء على من انتهك شيئا من ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري وابن والمبارك وأبا حنيفة ، وأبا يوسف ومحمدا؛ فإنهم قالوا: ليس للمدينة حرم كما كان لمكة، فلا يمنع من أخذ صيدها وقطع شجرها.

                                                قوله: "فقالوا ما ذكرتموه. . . إلى آخره" جواب عن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى، بيانه أن يقال: إن تحريم النبي -عليه السلام- المدينة ليس على المعنى الذي [ ص: 78 ] ذكرتموه، وإنما أراد بذلك بقاء زينة المدينة ودوام بهجتها؛ ليستطيب بها المهاجر إليها، ويألف بها، وتطيب بذلك سكناه، وهذا المعنى هو الذي نقله ابن نافع عن مالك، وقد ذكرناه، وحكي [عن] الخطابي أيضا.

                                                ثم مثل الطحاوي على ذلك المعنى بمعنى حديث ابن عمر: "أنه -عليه السلام- نهى عن آطام المدينة أن تهدم" فإنه -عليه السلام- لم ينه عن ذلك لكونه حراما، وإنما نهى لكون الآطام زينة لها إذا هدمت توحش وتنفر عن السكنى، والدليل على صحة ذلك: أنه -عليه السلام- علل ذلك بقوله: "فإنها زينة المدينة".

                                                ثم إنه أخرج حديث ابن عمر هذا من أربع طرق:

                                                الأول: إسناده صحيح، عن علي بن عبد الرحمن بن المغيرة ، عن يحيى بن معين الإمام الحجة ، عن وهب بن جرير بن حازم ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- .

                                                وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا الحسن بن يحيى، ثنا محمد بن سنان ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر، نحوه.

                                                الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، [عن] إسحاق بن محمد الفروي المدني شيخ البخاري ، عن عبيد الله بن عمر العمري ، عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- .

                                                الثالث: عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي ، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري ، عن عبد العزيز الدراوردي ، عن عبد الله بن نافع فيه مقال، ضعفه يحيى، وقال الدارقطني: متروك.

                                                عن أبيه نافع ، عن ابن عمر .

                                                الرابع: عن روح بن الفرج القطان المصري شيخ الطبراني ، عن أبي مصعب [ ص: 79 ] أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة قاضي مدينة الرسول وشيخ الجماعة سوى النسائي ، عن الدراوردي ، عن عبد الله بن نافع ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.

                                                قوله: "عن آطام المدينة" جمع أطم -بضم الهمزة والطاء- وهو بناء مرتفع، وأراد بآطام المدينة أبنيتها المرتفعة كالحصون.




                                                الخدمات العلمية