الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6326 6327 6328 6329 ص: ثم نظرنا هل نجد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك دليلا يدلنا على ما ذكرنا فإذا إسماعيل بن يحيى المزني قد حدثنا، قال: قرأنا على محمد بن إدريس الشافعي ، عن الثقفي ، عن حميد الطويل ، عن أنس قال: " كان لأبي طلحة ابن من أم سليم يقال له: أبو عمير، ، وكان رسول الله -عليه السلام- يضاحكه إذا دخل، وكان له نغير، . فدخل رسول الله -عليه السلام- فرأى أبا عمير حزينا فقال: ما شأن أبي عمير، ؟ فقيل: يا رسول الله مات نغير، فقال رسول الله -عليه السلام-: يا أبا عمير ما فعل النغير؟ ".

                                                حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب ، عن حميد ، عن أنس قال: كان لأبي طلحة ابن يدعى أبا عمير، ، فكان له نغير، ، فكان رسول الله -عليه السلام- إذا دخل قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ ".

                                                حدثنا سليمان بن شعيب ، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال: ثنا شعبة ، عن أبي التياح قال: سمعت أنس بن مالك يقول: " كان رسول الله -عليه السلام- يخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عمير ما فعل النغير؟ ".

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا أبو نعيم ، قال: ثنا عمارة بن زاذان ، عن ثابت ، عن أنس قال: " كان لي أخ فكان النبي -عليه السلام- يستقبله ويقول: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ ". .

                                                قال أبو جعفر : -رحمه الله-: فهذا قد كان بالمدينة، ، ولو كان حكم صيدها كحكم صيد مكة ، إذا لما أطلق له رسول الله -عليه السلام- حبس النغير، ولا اللعب به كما لا يطلق ذلك بمكة. .

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا إلى بيان دليل يدل على صحة ما قاله من قوله: قالوا: فكذلك ما نهاهم عنه من قطع شجرها وقتل صيدها، وهو قضية النغير الذي كان لأبي عمير [ ص: 80 ] أخي أنس بن مالك من أمه، وكان يلعب به وهو في المدينة، فلو كان حكم صيد المدينة مثل حكم صيد مكة؛ لما كان رسول الله -عليه السلام- يجيز له حبس النغير، ولا لعب أبي عمير به، فلما سكت عن ذلك دل على إباحة صيد المدينة، وأن حكمه خلاف حكم صيد مكة.

                                                فإن قيل: يجوز أن يكون كان ذلك قبل تحريم المدينة، أو يكون كان أدخله في الحل ولم يصده في حرم المدينة.

                                                قلت: أما الأول فاحتمال فلا تقوم به الحجة علينا، وأما الثاني فلا يتمشى علينا؛ لأن الحلال إذا أدخل الصيد في الحرم يجب عليه إرساله.

                                                ثم إنه أخرج حديث أنس من أربع طرق:

                                                الأول: إسناده صحيح، عن المزني ، عن الشافعي ، عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري ، عن حميد الطويل ، عن أنس -رضي الله عنه- .

                                                وأخرجه النسائي في "اليوم والليلة": عن علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس نحوه.

                                                الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يحيى بن أيوب الغافقي ، عن حميد ، عن أنس، وهذا أيضا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا ابن مثنى، نا خالد ، عن حميد ، عن أنس قال: "كان لأم سليم ابن يقال له: أبو عمير، فكان النبي -عليه السلام- ربما مازحه، فدخل يوما فوجده حزينا، فقال: ما بال أبي عمير؟ قالوا: يا رسول الله، مات نغيره الذي كان يلعب به، فجعل يقول: أبا عمير ما فعل النغير؟ ".

                                                الثالث: عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي الرصاصي ، عن شعبة ، عن أبي التياح يزيد بن حميد الضبعي البصري عن أنس .

                                                [ ص: 81 ] وهذا أيضا صحيح.

                                                أخرجه مسلم: ثنا شيبان بن فروخ قال: ثنا عبد الوارث ، عن أبي التياح ، عن أنس بن مالك، قال: "كان رسول الله -عليه السلام- أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير -قال: وأحسبه قال: فطيما- قال: فكان إذا جاء رسول الله -عليه السلام- فرآه، قال: أبا عمير ما فعل النغير؟ قال: فكان يلعب به".

                                                الرابع: عن فهد بن سليمان ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن عمارة بن زاذان الصيدلاني ، عن ثابت ، عن أنس .

                                                وهذا إسناد لا بأس به، وعمارة بن زاذان وثقه جماعة، وضعفه بعضهم.

                                                قوله: "كان لأبي طلحة ابن من أم سليم" أبو طلحة اسمه زيد بن سهل الأنصاري، وأم سليم بنت ملحان، أم أنس بن مالك، واسمها سهلة، ويقال: رميلة، ويقال: مليكة، ويقال: غير ذلك، كانت تحت مالك بن النضر في الجاهلية، فولدت أنسا، فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها، وعرضت الإسلام على زوجها فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاري، فولدت له أبا عمير، فمات صغيرا.

                                                و"نغير" بضم النون وفتح الغين المعجمة وفي آخره راء، وهو تصغير نغر، هو هو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار ويجمع على نغران.




                                                الخدمات العلمية