الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6330 ص: فقال قائل: فقد يجوز أن يكون هذا الحديث بقناة وذلك الموضع غير موضع الحرم، فلا حجة لكم في هذا الحديث.

                                                فنظرنا، هل نجد فيما سوى هذا الحديث ما يدل على شيء من حكم صيد المدينة؟.

                                                فإذا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، وفهد قد حدثانا، قالا: ثنا أبو نعيم ، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن مجاهد، قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-: " كان لآل [ ص: 82 ] رسول الله -عليه السلام- وحش، فإذا خرج لعب واشتد، وأقبل وأدبر، فإذا أحس برسول الله -عليه السلام- قد دخل ربض، فلم يترمرم؛ ، كراهة أن يؤذيه". .

                                                فهذا بالمدينة في موضع قد دخل فيما حرم منها، وقد كانوا يأوون فيه الوحش، ويتخذونها، ويغلقون دونها الأبواب، وقد دل هذا أيضا على أن حكم المدينة في ذلك بخلاف حكم مكة. .

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير ما قاله هذا القائل: إن يقال: إن حديث أنس الذي فيه حكاية نغير يحتمل أن يكون في غير موضع الحرم من المدينة، وهو أن يكون بقناة -بفتح القاف والنون- وهو واد من أودية المدينة عليه حرث ومال وزرع، وقد يقال فيه: وادي قناة، وهو غير مصروف، فإذا كان كذلك فلا تقوم به الحجة، فأجاب عنه بقوله: "فنظرنا. . ." إلى آخره هذا جواب بطريق التسليم، بيانه أن يقال: ولئن ثبت أن حديث أنس كان في قناة الذي هو خارج عن حرم المدينة -على زعمكم- وكنا قد وجدنا حديثا يدل صريحا على ما ذهبنا إليه، وهو حديث عائشة؛ فإنه صرح بأنهم كانوا يأوون الوحش في نفس المدينة، ويتخذونها ويغلقون عليها الأبواب، فدل ذلك أن حكم المدينة في الصيد ونحوه على خلاف حكم مكة.

                                                وإسناد حديث عائشة صحيح، وأبو نعيم الفضل بن دكين .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا أبو نعيم، قال: ثنا يونس ، عن مجاهد قال: قالت عائشة. . . إلى آخره.

                                                قوله: "وحش": قال الجوهري: الوحش واحد الوحوش، وهي حيوان البر، الواحد وحشي، يقال: حمار وحش بالإضافة، وحمار وحشي.

                                                قوله: "ربض" من الربوض، وربوض الغنم والبقر والفرس والكلب، كبروك الجمل، وجثوم الطير، يقال منه: ربضت الغنم، تربض -بالكسر- ربوضا، وأربضتها أنا.

                                                [ ص: 83 ] قوله: "لم يترمرم" من ترمرم إذا حرك فاه للكلام، وهو بالرائين المهملتين ويستفاد منه: هيبة النبي -عليه السلام-، وجواز اقتناء الوحوش في البيت، وفيه دلالة على أن حرمة المدينة ليست كحرمة مكة في الصيد ونحوه.




                                                الخدمات العلمية