الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6348 ص: ثم نظرنا فيما روي خلاف ما ذكرنا، هل نجد في شيء من ذلك ما يدلنا على إباحة أكله أو على المنع من ذلك؟ فإذا حسين بن نصر ، وزكريا بن يحيى بن أبان قد حدثانا، قالا: ثنا نعيم بن حماد ، قال: ثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال يوما: " ليت عندنا قرصة من برة سمراء ، ملبقة بسمن ولبن، فقام رجل من أصحابه فعملها [ ص: 102 ] ثم جاء [بها] ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيم كان سمنها؟ قال: في عكة ضب، قال له: ارفعها". .

                                                فإن قال قائل: ففي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- هذا ما يدل على كراهة رسول الله -عليه السلام- لأكل لحم الضب.

                                                قيل له: قد يجوز أن يكون هذا على الكراهة التي ذكرها أبو سعيد الخدري عن رسول الله -عليه السلام- في حديثه الذي قد رويناه، لا على تحريمه إياه على الناس.

                                                التالي السابق


                                                ش: قد ذكر أن كراهة أكل الضب انتفت من قبل أنه من الممسوخات، ومن قبل ما يخاف أن يكون مسيخا، ذكر هنا ما يدل على إباحته، وذكر أحاديث، منها حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- .

                                                أخرجه عن حسين بن نصر بن المعارك ، وزكريا بن يحيى بن إياس الحنظلي المعروف بخياط السنة شيخ النسائي، كلاهما عن نعيم بن حماد المروزي الفارضي شيخ البخاري في المقرنات، عن الفضل بن موسى السيناني -بكسر السين المهملة، بعدها ياء آخر الحروف ساكنة ثم نون- المروزي ، عن الحسين بن واقد المروزي قاضي مرو، عن أيوب ، عن نافع ، عن مولاه عبد الله بن عمر .

                                                وأخرجه أبو داود: نا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، قال: أنا الفضل بن موسى ، عن حسين بن واقد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "وددت أن عندي خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن ولبن، فقام رجل من القوم فاتخذه فجاء به، فقال: في أي شيء كان هذا؟ قال: في عكة ضب، قال: ارفعه".

                                                قال أبو داود: هذا حديث منكر، وأيوب هذا ليس بالسختياني. انتهى.

                                                [ ص: 103 ] قلت: أيوب هذا هو أيوب بن خوط أبو أمية البصري، ويقال له: أيوب الحبطي، قال البخاري: تركه ابن المبارك وغيره. وقال ابن معين: لا يكتب حديثه، ليس بشيء، وقال الفلاس ومسلم والسعدي وأبو حاتم والنسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني: متروك. وقال الأزدي: كذاب لا تحل الرواية عنه. وقال ابن عدي: هو كثير الغلط وليس بكذاب. وقال أبو حاتم بن حبان: كان الحسين بن واقد على قضاء مرو، وكان من خيار الناس، وكتب عن أيوب السختياني وأيوب بن خوط؛ فكل منكر عنده عن أيوب عن نافع عن ابن عمر إنما هو أيوب بن خوط ليس هو بأيوب السختياني .

                                                وسئل مرة أحمد بن حنبل عن حديث رواه الحسين بن واقد ، عن أيوب ، عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -عليه السلام- قال: "ليت عندنا خبزة ملبقة بسمن ولبن. . ." الحديث، فاستنكره أحمد وحرك رأسه، كأنه لم يرضه.

                                                قوله: "ملبقة" أي مخلوطة، يقال: لبقت الثريدة إذا خلطتها خلطا شديدا، وقال الجوهري: الثريد الملبق: الشديد التثريد الملين بالدسم، يقال: ثريدة ملبقة.

                                                قوله: "فقال قائل:. . . إلى آخره" تقرير السؤال أن يقال: في هذا الحديث ما يدل على أن رسول الله -عليه السلام- قد كره أكل لحم الضب حيث قال: "ارفعه" وهذا ظاهر.

                                                والجواب هو ما قاله بقوله: "قيل له. ." إلى آخره، وهو أيضا ظاهر.




                                                الخدمات العلمية