الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6361 6362 6363 6364 6365 ص: فمما روي عنه في ذلك: ما حدثنا ابن أبي داود، حدثنا سعيد بن سليمان، ثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: "أمرني النبي -عليه السلام- بالصدقة، فجاء رجل بكبائس من هذه النخل -قال سفيان: يعني الشيص- وكان لا يجيء أحد بشيء إلا نسب إلى الذي جاء به، فنزلت: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ونهى رسول الله -عليه السلام- عن الجعرور، ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة".

                                                قال الزهري: لونان من تمر المدينة.

                                                حدثنا ابن أبي داود، ثنا أبو الوليد ، ثنا سليمان بن كثير ، قال: حدثني الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه: " أن النبي -عليه السلام- نهى عن الجعرور، ولون الحبيق". .

                                                حدثنا أبو بكرة، ثنا مؤمل ، ثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن البراء قال: "كانوا يجيئون الصدقة بأردإ تمرهم وأردإ طعامهم فنزلت يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه

                                                قال: لو كان لكم فأعطاكم، لم تأخذوا إلا وأنتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم".

                                                حدثنا ابن مرزوق، ثنا عبد الله بن حمران ، ثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح ، عن ابن مرة ، عن عوف بن مالك قال: "بينما نحن في المسجد، إذ خرج علينا رسول الله -عليه السلام- وفي يده عصا وأقناء معلقة في المسجد فيها قنو حشف فقال: لو شاء رب هذا القنو ، لتصدق بأطيب منه، إن رب هذه الصدقة ليأكل الحشف يوم [ ص: 111 ] القيامة، ثم أقبل على الناس فقال: أم والله ليدعنها مذللة أربعين عاما للعوافي -يعني نخل المدينة-".

                                                حدثنا يزيد بن سنان، ثنا أبو بكر الحنفي ، ثنا عبد الحميد، قال: حدثني صالح بن أبي عريب ، عن كثير بن مرة الحضرمي ، عن عوف بن مالك الأشجعي ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                فلهذا المعنى كره رسول الله -عليه السلام- لعائشة الصدقة بالضب؛ لا لأن أكله حرام.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فمن الذي روي عن النبي -عليه السلام- في كراهة الصدقة بالشيء الرديء الحقير: ما حدثنا إبراهيم بن أبي داود البرلسي ... إلى آخره.

                                                وأخرج في ذلك عن سهل بن حنيف ، والبراء بن عازب ، وعوف بن مالك -رضي الله عنهم-.

                                                أما حديث سهل فأخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن سليمان الضبي الواسطي المعروف بسعدون شيخ البخاري وأبي داود ، عن عباد بن العوام بن عمر الواسطي روى له الجماعة، عن سفيان بن حسين بن الحسن الواسطي روى له الجماعة؛ البخاري مستشهدا، ومسلم في مقدمة كتابه، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن أبي أمامة أسعد، وقيل: سعيد، وقيل: اسمه كنيته وهو المشهور، روى له الجماعة، وهو من كبار التابعين، عن أبيه سهل بن حنيف الأنصاري -رضي الله عنه-.

                                                وأخرجه الطبراني: ثنا محمد بن الفضل السقطي، ثنا سعيد بن سليمان (ح).

                                                وحدثنا إبراهيم بن متويه الأصبهاني، ثنا جعفر بن محمد بن جعفر المدائني، قالا: ثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه: "أن رسول الله -عليه السلام- أمر بصدقة فجاء رجل بكبائس من هذا النخل فوضعه، فخرج رسول الله -عليه السلام- فقال: من جاء بهذا؟ فكان لا يجيء أحد [ ص: 112 ] إلا صب الذي جاء به، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون .

                                                ونهى يومئذ عن الجعرور، ولون ابن حبيق أن يؤخذا في الصدقة، قال الزهري: صنفان من تمر المدينة، قال عباد: قال سفيان: السخل الشيص".

                                                الثاني: عن إبراهيم أيضا، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ، عن سليمان بن كثير العباسي البصري، أخي محمد بن كثير ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن أبي أمامة ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أبو داود: ثنا محمد بن يحيى بن فارس، نا سعيد بن سليمان، ثنا عباد ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه قال: "نهى رسول الله -عليه السلام- عن الجعرور، ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة، قال الزهري: لونان من تمر المدينة، قال أبو داود: أسنده أيضا أبو الوليد ، عن سليمان بن كثير ، عن الزهري .

                                                وأما حديث البراء فأخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي ، عن سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكوفي الأعور ، عن أبي مالك الغفاري غزوان الكوفي ، عن البراء بن عازب .

                                                وأما حديث عوف بن مالك فأخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عبد الله بن حمران بن عبد الله القرشي البصري ، عن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري أبي حفص المدني ، عن صالح بن أبي عريب الحضرمي الشامي ويقال المصري ، عن كثير بن مرة الحضرمي الرهاوي ، عن عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني الصحابي -رضي الله عنه-.

                                                [ ص: 113 ] وأخرجه أبو داود: ثنا نصر بن عاصم الأنطاكي، ثنا يحيى -يعني- القطان ، عن عبد الحميد بن جعفر، حدثني صالح بن أبي عريب ، عن كثير بن مرة ، عن عوف بن مالك قال: "دخل علينا رسول الله -عليه السلام- المسجد وبيده عصا وقد علق رجل منا حشفا، فطعن بالعصا في ذلك القنو، وقال لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها، وقال: إن رب هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة".

                                                الثاني: عن يزيد بن سنان ، عن أبي بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح بن أبي عريب -بفتح العين- واسمه كليب ، عن كثير بن مرة ، عن عوف بن مالك .

                                                وأخرجه النسائي وابن ماجه نحوه.

                                                قوله: "بكبائس" الكبائس: جمع كباسة، وهو العذق التام بشماريخه ورطبه، والشيص -بكسر الشين المعجمة- هو التمر الذي لا يشتد نواه ولا يقوى، وقد لا يكون له نوى أصلا.

                                                قوله: ولا تيمموا الخبيث أي: ولا تقصدوا.

                                                قوله: "عن الجعرور" بضم الجيم، وهو نوع من الدقل يحمل رطبا صغارا لا خير فيه، والدقل -بفتح الدال والقاف- أراد التمر.

                                                قوله: "ولون الحبيق" بضم الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة، وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف، وهو تمر أغبر صغير مع طول فيه يقال: حبيق ونبيق وذوات العنيق لأنواع من التمر، ونبيق أغبر مدور، وذوات العنيق لها أعناق مع طول وغبرة، وربما اجتمع ذلك كله في عذق واحد، "والأقناء" جمع قنو -بكسر القاف وسكون النون- وهو العذق بما فيه من الرطب.

                                                [ ص: 114 ] قوله: "فيها قنو حشف" بالإضافة، والحشف -بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة-: اليابس الفاسد من التمر، وقيل: الضعيف الذي لا نوى له، كالشيص.

                                                قوله: "وأم والله" أصله: أما والله، وهي كلمة استفتاح تذكر غالبا قبل القسم.

                                                قوله: "العوافي" قد فسر ذلك في رواية الطبراني بأنها الطير والسباع.

                                                قال الطبراني: نا أبو مسلم الكشي، ثنا أبو عاصم ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح بن أبي عريب ، عن كثير بن مرة ، عن عوف بن مالك: "أن النبي -عليه السلام- دخل المسجد وبيده عصا، فرأى أقناء معلقة، فطعن في قنو منها فإذا فيه حشف، فقال: من صاحب هذا؟ لو تصدق بأطيب منه، إن صاحب هذا ليأكل الحشف يوم القيامة، ثم قال: يا أهل المدينة لتدعونها للعوافي أربعين عاما، قيل: وما العوافي؟ قال: الطير والسباع".

                                                قلت: العوافي جمع عافية، يقال: طير عاف على الماء أي عائم عليه، ليجد فرصة ليشرب وقد عاف يعيف عيفا.




                                                الخدمات العلمية