الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6613 ص: وقد جاء في ذلك آثار أخر ما قد دل على ذلك:

                                                حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال: أنا سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: " يا أيها الناس، إنكم لتأكلون من شجرتين خبيثتين، هذا الثوم وهذا البصل، ولقد كنت أرى الرجل على عهد رسول الله -عليه السلام- يوجد منه ريحه، فيؤخذ بيده فيخرج إلى البقيع، فمن كان آكلهما فليطبخهما طبخا". .

                                                فهذا عمر - رضي الله عنه - قد أخبر بما كانوا يصنعون بمن أكلهما على عهد رسول الله -عليه السلام- وقد أباح هو أكلهما بعد أن يماتا طبخا، فدل ذلك على أن النهي عنه لم يكن للتحريم.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد جاء فيما ذكرنا من أن النهي عن أكل البقول ذوات الريح لا لأنها حرام آثار أخر، ما قد دل على ما ذكرنا، منها حديث عمر - رضي الله عنه - أخرجه بإسناد صحيح.

                                                وأخرجه مسلم مطولا: ثنا محمد بن مثنى، قال: نا يحيى بن سعيد، قال: نا هشام، قال: ثنا قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر أبا بكر - رضي الله عنه - [ ص: 225 ] قال: إني رأيت كأن ديكا نقرني ثلاث نقرات، وإني لا أراه إلا حضور أجلي وإن أقواما يأمرونني أن أستخلف، وإن الله تعالى لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث به نبيه -عليه السلام-، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله -عليه السلام- وهو عنهم راض، وإني قد علمت أن أقواما يطعنون في هذا الأمر، أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال، ثم إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله -عليه السلام- في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبعه في صدري فقال: يا عمر ألا [تكفيك] آية الصيف التي في آخر سورة النساء، وإني إن أعش أقضي فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن، ومن لا يقرأ القرآن، ثم قال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، وإنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، ويقسموا فيهم فيئهم، ويرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم، ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثوم، ولقد رأيت رسول الله -عليه السلام- إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخا".

                                                قوله: "خبيثتين" أراد بالخبيثة النتنة، والعرب تطلق الخبيث على كل مذموم ومكروه من قول أو فعل أو مال أو طعام أو شخص.

                                                قوله: "فليطبخهما طبخا" وفي رواية مسلم: "فليمتهما طبخا" ومعناهما واحد لأن المراد إذهاب رائحتهما، وكسر قوة كل شيء إماتته، ومثله: قتلت الخمر إذا مزجتها بالماء فكسرتها.

                                                قال القاضي: هذا يدل على أن النهي في النيء لأن الطبيخ يذهب ريحهما.

                                                قال: وفيه دليل على إخراج من وجدت رائحتهما منه من المسجد، وإخراجه إلى البقيع: إبعاد له عن المسجد ورحابه، إذ حكمهما في أداء المصلين فيها حكم المسجد.

                                                [ ص: 226 ] وقال الخطابي: وقد عد قوم أن أكل الثوم من الأعذار المبيحة للتخلف عن الجماعة لهذا الحديث، ولا حجة في هذا لأن الحديث إنما ورد مورد التوبيخ والعقوبة لآكلها؛ لما حرمه من فضيلة الجماعة.




                                                الخدمات العلمية