الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6862 6863 6864 6865 ص: وقد روي في هذا أيضا عن عبد الله بن عمرو .

                                                حدثنا محمد بن الحجاج ، قال: ثنا أسد (ح).

                                                وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا حجاج، قالا: ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه قال: " ما رأيت النبي -عليه السلام- يأكل متكئا [قط] ". .

                                                [ ص: 420 ] فقد يجوز أن يكون اجتنب ذلك لما قال الشعبي، ، وقد يجوز في ذلك معنى آخر.

                                                فإنه حدثنا يحيى بن عثمان، قال: ثنا أبي ، قال: ثنا ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن إسماعيل الأعور قال: " كان رسول الله -عليه السلام- يأكل متكئا، فنزل عليه جبريل -عليه السلام- فقال: انظروا إلى هذا العبد كيف يأكل متكئا؟! قال: فجلس رسول الله -عليه السلام-".

                                                فقد يجوز أن يكون هذا المعنى الذي من أجله قال: "لا آكل متكئا" ؛ لأنه فعل الملوك والجبابرة، وفعل الأعاجم؛ فكره ذلك ورغب في فعل العرب، كما روي عن عمر - رضي الله عنه - .

                                                فإنه حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت يزيد بن هارون، قال: أنا عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، قال: "أتانا كتاب عمر . - رضي الله عنه -: اخشوشنوا ، واخشوشبوا، ، واخلولقوا، وتمعددوا كأبيكم معد، وإياكم والتنعم وزي العجم".

                                                أفلا ترى أنه نهاهم عن زي العجم، وأمرهم بالتمعدد وهو العيش الخشن الذي يعرفه العرب، فكذلك الأكل متكئا نهوا عنه لأنه فعل العجم، وأما الشرب قاعدا فأمروا به خوفا مما يحدث عليهم في صدورهم، فليس في ذلك شيء من زي العجم.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقد روي في الترك الأكل متكئا عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                أخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن محمد بن حجاج الحضرمي ، عن أسد بن موسى ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن أبيه عبد الله بن عمرو .

                                                اعلم أن شعيبا هذا هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد ينسب إلى جده، وممن ينسبه إلى جده: ثابت البناني الراوي عنه، وذكر البخاري وأبو داود وغير واحد أنه سمع من جده عبد الله بن عمرو، ولم يذكر أحد أنه يروي عن أبيه محمد، فإذا كان سماعه عن جده صحيحا يكون حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيحا متصلا، فافهم.

                                                [ ص: 421 ] الطريق الثاني: عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة .. إلى آخره.

                                                وأخرجه أبو داود: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا حماد ، عن ثابت البناني ، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه، قال: "ما رؤي رسول الله -عليه السلام- يأكل متكئا قط ولا يطأ عقبه رجلان".

                                                قوله: "فقد يجوز أن يكون اجتنب ذلك .. إلى آخره" أشار بهذا إلى بيان علة ترك الأكل متكئا، وهي شيئان:

                                                أحدهما: ما ذكره عامر الشعبي، وقد مر بيانه.

                                                الثاني: هو أن الأكل متكئا من فعل الملوك والجبابرة، وفعل العجم والأكاسرة، فكره رسول الله -عليه السلام- ذلك لما فيه من التشبه بهم، وبين ذلك بقوله: "فإنه -أي فإن الشأن- حدثنا يحيى بن عثمان القرشي السهمي أبو زكريا المصري مولى آل قيس بن أبي العاص السهمي شيخ ابن ماجه والطبراني ، عن أبيه عثمان بن صالح بن صفوان السهمي المصري شيخ البخاري ، عن عبد الله بن لهيعة المصري، فيه مقال، عن عبيد الله بن أبي جعفر المصري التابعي روى له الجماعة، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي أبي محمد الكوفي الأعور، من التابعين الكبار، روى له الجماعة إلا البخاري، وهذا الحديث معضل.

                                                قوله: "ورغب في فعل العرب" أي رغب رسول الله -عليه السلام- أمته في التشبه بفعل العرب كما روي عن عمر بن الخطاب في ذلك.

                                                أخرجه بإسناد صحيح، عن حسين بن نصر بن المعارك ، عن يزيد بن هارون ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي .. إلى آخره.

                                                [ ص: 422 ] وكلام عمر هذا قد رفعه الطبراني في "معجمه": عن أبي حداد الأسلمي ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                قوله: "اخشوشنوا" من اخشوشن، وهو مبالغة من خشن، يقال: اخشوشن إذا لبس الخشن.

                                                قوله: "اخشوشبوا" من اخشوشب الرجل إذا كان صلبا خشبا في دينه وملبسه ومطعمه وجميع أحواله، ويروى بالجيم يريد عيشوا عيش العرب الأول، ولا تعودوا أنفسكم الترفه، فيقعد بكم عن الغزو.

                                                قوله: "واخلولقوا" قريب من معنى اخشوشنوا، وكأن المعنى البسوا الثياب الخليقة.

                                                قوله: "وتمعددوا" من قولهم: تمعدد الرجل إذا شب وغلظ، وقيل: أراد تشبهوا بعيش معد بن عدنان، وكانوا أهل غلظ وقشف، أي كونوا مثلهم، ودعوا التنعم وزي العجم، وهذا هو الصواب؛ بدليل قوله: "كأبيكم معد"، أراد به معد بن عدنان فإنه أصل العرب وجدهم الأعلى.




                                                الخدمات العلمية