الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7013 ص: حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال : ثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، قال : "صدق رسول الله -عليه السلام - أمية بن أبي الصلت في شعره وقال :


                                                رجل وثور تحت رجل يمينه . . . والنسر للأخرى وليث مرصد



                                                فقال رسول الله -عليه السلام - : صدق . قال :


                                                والشمس تطلع كل آخر ليلة . . .     حتى الصباح ولونها يتورد



                                                [ ص: 34 ] فقال النبي -عليه السلام - : صدق . فقال :


                                                تأبي فما تطلع لنا في رسلها . . .     إلا معذبة وإلا تجلد



                                                فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صدق
                                                " .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح .

                                                ويعقوب [بن] عتبة بن المغيرة بن الأخنس الثقفي المدني ، وثقه أبو حاتم والدارقطني .

                                                وأخرجه الدارمي في "سننه " : أنا محمد بن عيسى ، ثنا عبدة بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : "صدق أمية بن أبي الصلت في بيتين من شعره ، فقال :


                                                رجل وثور تحت رجل يمينه . . . والنسر للأخرى وليث مرصد

                                                . . . . إلى آخره ، مثل رواية الطحاوي .

                                                وأخرجه أحمد أيضا في "مسنده " .

                                                وأمية بن أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة بن ثقيف أبو عثمان ، ويقال : أبو الحكم الثقفي ، شاعر جاهلي ، قال ابن عساكر : قدم دمشق قبل الإسلام وقيل : إنه كان صالحا ، وأنه كان في أول أمره على الإيمان ، ثم زاغ عنه ، وأنه هو الذي أراد الله بقوله : واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها الآية . وذكر السهيلي أن أمية بن أبي الصلت أول من قال : بسمك اللهم وذكر فيه قصة غريبة ذكرناها في تاريخنا .

                                                [ ص: 35 ] قوله : "رجل وثور . . . . " إلى آخره ، من بحر الكامل وأصله في الدائرة متفاعلن ست مرات ، وأشار بذلك إلى حملة العرش وهم أربعة : أحدهم في صورة بني آدم ، أشار إليه بقوله : "رجل " ، والثاني : في صورة ثور أشار إليه بقوله : "وثور " ، والثالث : في صورة النسر ، أشار إليه بقوله : "والنسر للأخرى " ، والرابع : في صورة الأسد أشار إليه بقوله : "وليث مرصد " ، فلأجل ذلك صدقه النبي -عليه السلام - .

                                                قوله : "رجل " مبتدأ ويجوز لوقوعه مبتدأ كونه معطوفا عليه ; لأن قوله : وثور عطف عليه ، وقد ذكرت النحاة أن العطف من مجوزات وقوع المبتدأ نكرة ، والخبر قوله : "تحت رجل يمينه " أي يمين العرش ، أراد : وملك في صورة رجل ، وآخر في صورة ثور تحت قائمتي العرش من اليمين ، وملك آخر في صورة النسر ، وآخر في صورة الليث تحت قائمته من اليسار ، فقوائمه الأربعة على كواهل الأربعة من الملائكة بهذه الصورة .

                                                قوله : "والنسر للأخرى " جملة من المبتدأ والخبر أي للرجل الأخرى ، أراد بها القائمة الأخرى من اليسار .

                                                قوله : "وليث " عطف على ما قبله .

                                                وقوله : "مرصد " صفة من أرصد إذا أعد للترقب .

                                                قوله : "يتورد " أي يحمر ويصير مثل الورد الأحمر .

                                                قوله : "تأبى " أي تمتنع من الطلوع والعود إلى الدنيا ، ولا تطلع إلا بنخس من الملائكة ، وهذا صحيح ; فلذلك صدقه النبي -عليه السلام - ، والدليل على ذلك ما رواه ابن عساكر في حديثه الطويل بإسناده إلى ابن عباس أنه قال : "إن الشمس لا تطلع حتى يتنخسها سبعون ألف ملك ، يقولون : اطلعي اطلعي ، فتقول : لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله ، فإذا همت بالطلوع أتاها شيطان يريد أن يثبطها فتطلع بين قرنيه وتحرقه ، فإذا تضيفت للغروب غربت على السجود ، فيأتيها شيطان يريد أن يثبطها عن السجود ، فتغرب بين عينيه وتحرقه " .

                                                [ ص: 36 ] وقد أشار أمية بن أبي الصلت إلى هذا المعنى بقوله :

                                                "تأبي فما تطلع لنا في رسلها

                                                " أي في فورها إلا معذبة من جهة الملائكة .

                                                قوله : "فما تطلع " بالجزم للضرورة .




                                                الخدمات العلمية