الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5818 ص: فإن قال قائل : فقد خص النبي -عليه السلام - في هذا الحديث الوالد الواهب دون سائر الواهبين ، أفيكون حكم الولد فيما وهب لأبيه خلاف حكم الوالد فيما وهب لولده ؟

                                                قيل له : بل حكمهما في هذا سواء ، وذكر رسول الله -عليه السلام - أحدهما على المعنى الذي ذكرنا يجزئ من ذكره إياهما ومن ذكر غيرهما ممن حكمه في هذا مثل حكمهما ، وقد قال الله -عز وجل - : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت فحرم هؤلاء جميعا بالأنساب ، ثم قال :

                                                [ ص: 326 ] وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ولم يذكر في التحريم بالرضاع غير هاتين ، فكان ذكره ذلك دليلا على أن سائر من حرم بالنسب في حكم الرضاع سواء ، وأغناه ذكر هاتين بالتحريم [بالرضاع عن ذكر من سواهما في ذلك إذ كان قد جمع بينهن في التحريم] بالأنساب فجعل حكمهن حكما واحدا ، فدل تحريمه بعضهن أيضا بالرضاع أن حكمهن في ذلك حكم واحد ، فكذلك رسول الله -عليه السلام - لما قال : "لا يحل لأحد أن يرجع في هبته " فعم بذلك الناس جميعا ، ثم قال : إلا الوالد لولده ، على المعنى الذي ذكرنا دل ذلك على أن من سوى الوالد من الواهبين في رجوع الهبات إليهم برد الله -عز وجل - إياها كذلك ، وأغناه ذكر بعضهم عن ذكر سائرهم .

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال : إن النبي -عليه السلام - اقتصر في الحديث المذكور على الوالد الواهب لولده ، فهل هو تنصيص عليه في اختصاص الحكم المذكور له أم ليس كذلك ، بأن يكون حكم الولد الواهب لأبيه خلاف حكم الوالد الواهب لولده ؟

                                                وتقرير الجواب أن يقال : بل حكمها سواء ، وإنما تخصيصه -عليه السلام - الوالد الواهب بالذكر من باب الاكتفاء ، وهو أن ذكره هذا على المعنى الذي ذكره يغني عن ذكر الاثنين وعن ذكر غيرهما ممن كان حكمهم في هذا مثل حكمهما ; وذلك لأن الحكم إذا كان معلولا بعلة في حق أحد فمتى وجدت تلك العلة في غيره يكون ذلك الحكم جاريا فيه أيضا ; لشمول العلة ، وشمول العلة يستلزم شمول المعلول ، ثم نظر لذلك بقوله : وقد قال الله -عز وجل - : حرمت عليكم أمهاتكم الآية ، فالله تعالى حرم هؤلاء بالأنساب بالتنصيص عليهم ، ثم ذكر الأمهات من الرضاع والأخوات من الرضاع حيث قال : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة فنص على هذين الصنفين مع أن حكم غيرهما في [ ص: 327 ] التحريم بالرضاع كحكم هذين الصنفين ، ولكنه اكتفى بذكرهما عن ذكر سائر من حرم بالرضاع ممن كان كمن حرم بالنسب ، وكذلك قوله -عليه السلام - : "لا يحل لأحد أن يرجع " يشمل سائر الناس ; لأن النكرة في خبر النفي تعم ، ثم قال : "إلا الوالد لولده " على المعنى الذي ذكره ، فدل ذلك على أن من سوى الوالد من الواهبين في رجوع الهبات إليهم برد الله -عز وجل - إياها كذلك ; لشمول العلة ، وقد قلنا : إن شمول العلة يستلزم شمول المعلول ، وتلك العلة هي المعنى الذي ذكره من قوله : "فذلك عندنا والله أعلم على إباحته للوالد أن يأخذ ما وهب لابنه في وقت حاجته إلى ذلك وفقره إليه . . . . " إلى آخره .




                                                الخدمات العلمية