الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5832 ص: وقد وصفنا في هذا ما ذهبنا إليه في الهبات وما قلدنا من هذه الآثار ; إذ لم نعلم عن أحد مثل من رويناها عنه خلافا لها ، فتركنا النظر من أجلها وقلدناها .

                                                وقد كان النظر لو خلينا وإياه خلاف ذلك وهو أن لا يرجع الواهب في الهبة لغير ذي الرحم المحرم كما لا يرجع في الهبة لذي الرحم المحرم ; ؛ لأن ملكه قد زال عنها بهبته إياها ، وصارت للموهوب له دونه ، فليس له نقض ما قد ملك عليه إلا برضى مالكه ، ولكن اتباع الآثار وتقليد أئمة العلم أولى ; فلذلك قلدناها واقتدينا بها ، وجميع ما بينا في هذا الباب قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله - .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد وصفنا في باب حكم الهبة ما ذهبنا إليه في الهبات ، وهو جواز رجوع الواهب عن هبته من أجنبي .

                                                قوله : "وما قلدنا " عطف على قوله : "ما ذهبنا إليه " .

                                                قوله : "إذ لم نعلم " أي : لأنا لم نعلم عن أحد من الصحابة والتابعين مثل من رويناها عنه خلافا لها ، وذلك لأنه قد روي عن مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وفضالة بن عبيد وأبي الدرداء - رضي الله عنهم - ما يدل صريحا على ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية ، ولم يرو عن أحد من الصحابة منهم أو من يقاربهم خلاف ذلك ، وكذلك روي عن جماعة من التابعين الكبار مثل شريح القاضي ، وإبراهيم [ ص: 341 ] النخعي ، ما يوافق ما روي عن هؤلاء الصحابة ، ولم يرو عن أحد من التابعين مثلهم أو من يقاربهم خلاف ذلك ، فإذا كان كذلك ; تعين المصير إلى ما ذهبوا إليه والعمل به .

                                                قوله : "فتركنا النظر من أجلها " أي إذا كان الأمر كذلك تركنا النظر والقياس من أجل هذه الآثار المروية عنهم لأن القياس لا يؤخذ به إلا عند عدم الآثار والأخبار .

                                                قوله : "وقد كان النظر لو خلينا " على صيغة المجهول ، والواو في "وإياه " للمصاحبة ، وأراد بهذا أن القياس كان يقتضي أن لا يرجع الواهب فيما يهبه لأجنبي كما لا يرجع فيما يهبه لذي رحم محرم منه ; لأن ملكه قد زال بهبته ، ودخل في ملك الموهوب له بالقبض ، فلا يجوز له نقض ذلك وإخراجه عن ملكه إلا برضى صاحبه ، ولكن لما وردت الآثار بخلاف ذلك وجب تقليدها وترك القياس والعمل به ، ووجب العمل بما روي من الآثار ، والتقليد لأئمة العلم ، والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية