الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6095 ص: حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : ثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم بن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر : " أن رسول الله -عليه السلام - رجم يهوديا ويهودية حين تحاكموا إليه " .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح . ورجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن معبد بن شداد العبدي الرقي صاحب محمد الحسن الشيباني ، وثقه أبو حاتم وغيره .

                                                وأخرجه الجماعة فقال البخاري : ثنا إسماعيل بن عبد الله ، حدثني مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أنه قال : "إن اليهود جاءوا إلى رسول الله -عليه السلام - فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله -عليه السلام - : ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ فقالوا : نفضحهم ويجلدون ، قال عبد الله بن سلام : كذبتم ، إن فيها الرجم ، فأتوا بالتوراة فنشروها ، فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم ، قالوا : صدق يا محمد ، فيها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله -عليه السلام - فرجما ، فرأيت الرجل ينحني على المرأة يقيها الحجارة .

                                                وقال مسلم : حدثني الحكم بن موسى أبو صالح ، قال : ثنا شعيب بن إسحاق ، قال : أنا عبيد الله ، عن نافع ، أن عبد الله أخبره : "أن رسول الله -عليه السلام - أتي

                                                [ ص: 412 ] بيهودي ويهودية قد زنيا
                                                ، فانطلق رسول الله -عليه السلام - حتى جاء يهود ، فقال : ما تجدون في التوراة على من زنى ؟ قالوا نسود وجوههما ونحممهما ، ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما ، قال : فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ، فجاءوا بها وقرأوها حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها ، فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله -عليه السلام - : مره فليرفع يده ، فرفعها فإذا تحتها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله -عليه السلام - فرجمهما ، قال عبد الله بن عمر : كنت فيمن رجمهما ، ولقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه "
                                                .

                                                وأخرجه أيضا عن أبي الطاهر ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك . . . . نحو رواية البخاري .

                                                وقال أبو داود : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، قال : قرأت على مالك بن أنس ، عن نافع . . . . إلى آخره .

                                                وقال الترمذي : ثنا إسحاق بن [موسى عن] معن ، عن مالك مختصرا : "أن النبي -عليه السلام - رجم يهوديا ويهودية " . وقال : وفي الحديث قصة ، وهو حسن صحيح .

                                                وقال النسائي : أنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك . . إلى آخره مطولا .

                                                وقال ابن ماجه : ثنا علي بن محمد الطنافسي ، عن عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر . . إلى آخره .

                                                قوله : "نفضحهم " أي نكشف مساوئهم ، والاسم : الفضيحة والفضوح .

                                                [ ص: 413 ] قوله : "يجنأ " بفتح الياء آخر الحروف ، وسكون الجيم وبعدها نون مفتوحة وهمزة ، يقال : جنأ الرجل الشيء ، وجانأ عليه ، وتجانأ عليه إذا أكب عليه ، ويروى بضم الياء يقال : أجني عليه ، يجنئ إجناء إذا أكب عليه يقيه شيئا وروي يحني بفتح الياء وسكون الحاء المهملة أي يكب عليه ، ويروى يحاني من المحاناة ، ويروى بجيم ثم باء موحدة ثم همزة ، أي يركع عليها ، ويروي بعضهم "يحني عليها " بفتح الحاء المهملة وتشديد النون .

                                                قوله : "ونحممها " من التحميم ، وهو تسويد الوجه بالحمم وهو جمع حممة ، وهي الفحمة ، وقال الحافظ المنذري : هذه المرأة المرجومة ذكر أبو القاسم الخثعمي عن بعض أهل العلم أن اسمها بسرة .

                                                ويستفاد منه أحكام :

                                                فيه : سؤال أهل الكتاب عن كتابهم ، وفيه دليل على أن التوراة صحيحة لديهم ولولا ذلك ما سألهم رسول الله -عليه السلام - عنها ولا دعا بها .

                                                وفيه : دليل على أن الكتاب الذي كانوا يكتبونه بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله ، هي كتب أحبارهم وفقهائهم ورهبانهم ، كانوا يضيفون لهم أشياء من عندهم وأهوائهم ويضيفونها إلى الله -عز وجل - ، ولهذا وشبهه من أشكال أمرهم نهينا عن التصديق بما حدثونا به وعن التكذيب بشيء من ذلك ; لئلا نصدق بباطل أو نكذب بحق ، وقد خلطوا الحق بالباطل ، ومن صح عنده شيء من التوراة ففعل مثل عبد الله بن سلام وغيره من أحبار اليهود الذين يعلمون جاز له أن يقرأه ويعمل بما فيه إن لم يكن مخالفا لشريعتنا وسنة نبينا محمد -عليه السلام - .

                                                وفيه : دليل على أنهم كانوا يكذبون على توراتهم ويضيفون كذبهم إلى ربهم وكتابهم ، لأنهم قالوا وهم يقرءون في التوراة إن الزناة يفضحون ويجلدون محصنين كانوا بالنكاح أو غير محصنين وفي التوراة غير ذلك من رجم الزناة المحصنين .

                                                وفيه : دليل على ما اليهود عليه من الخبث والمكر والتبديل .

                                                [ ص: 414 ] وفيه : إثبات الرجم والحكم به على الثيب الزاني ، وهو أمر أجمع عليه أهل الحق ، وهم الجماعة أهل السنة والأثر ، ولا يخالف في ذلك من بعده أهل العلم خلافا .

                                                وفيه : دليل على أن شرائع من قبلنا شرائع لنا إلا ما ورد في القرآن أو السنة نسخه .

                                                وفيه : أن أهل الكتاب وسائر أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا ورضوا بحكم حكامنا هل يحكمون بينهم أم لا ؟ فيه خلاف سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .




                                                الخدمات العلمية