الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6173 ص: فإن قال قائل : فإذا كان ذلك كما ذكرت فما كان احتياج عمر - رضي الله عنه - إلى القافة حين دعاهم ؟

                                                قيل له : يحتمل عندنا ذلك -والله أعلم - أن يكون عمر - رضي الله عنه - وقع بقلبه أن حملا لا يكون من رجلين ليستحيل إلحاق الولد بمن يعلم أنه لم يلده ، فدعا القافة ليعلم منهم : هل يكون ولد يحمل من نطفة رجلين أم لا ؟ وقد بين ذلك ما ذكرنا من حديث أبي المهلب ، . فلما أخبره القافة بأن ذلك قد يكون وأنه غير مستحيل ; رجع إلى الدعوى التي كانت بين الرجلين فحكم بها ، فجعل الولد ابنهما جميعا يرثهما ويرثانه ، فذلك حكم بالدعوى لا بقول القافة .

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال : إذا كان إثبات عمر - رضي الله عنه - نسب الولد من الرجلين فيما ذكر بدعواهما لا بقول القافة كما ذكرت ، فما كان احتياج عمر إلى القافة حتى طلبهم ؟

                                                والجواب ظاهر .

                                                [ ص: 540 ] قوله : "في حديث أبي المهلب " وهو الذي أخرجه عن أبي بكرة ، عن سعيد بن عامر ، عن عوف عنه .

                                                وقد اعترض ابن حزم ها هنا وقال : وما نعرف إلحاق الولد باثنين عن أحد من المتقدمين إلا عن إبراهيم النخعي ولا حجة في أحد دون رسول الله -عليه السلام - ، والثابت عنه -عليه السلام - يكذب جواز كون ولد من مني أبوين .

                                                وهو الذي رويناه من طريق مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير ، قالا : ثنا أبو معاوية ووكيع ، قالا : ثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله بن مسعود ، حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح . . . . " الحديث فصح يقينا أن ابتداء العدد من حين وقوع النطفة وبلا شك أن الدقيقة التي تقع فيها النطفة في الرحم هي غير الدقيقة التي تقع فيها نطفة الواطئ الثاني فلو جاز أن يجمع الماءين فيصير منهما ولد واحد لكان العد مكذوبا فيه ; لأنه إن عد في حين وقوع نطفة الأولى فهو للأول وحده فلو استضاف إليه الثاني لابتداء العدد من وقت حلول المني الثاني فكان يكون في الأربعين يوما نقص وزيادة بلا شك .

                                                قلت : هذا تخبيط ولا يلزم من اجتماع الماءين في رحم المرأة كون العد مكذوبا فيه ; لأنه لا شك أن ابتداء العد من حين وقوع النطفة في الرحم ، فإذا وقعت نطفة الأول في ساعة مثلا ووقعت نطفة الثاني عقيب تلك الساعة صار كله ماء واحدا فلم يتعلق الخلق بالماء الأول وحده ، بل إنما تعلق به العد ، وذا لا يضر ولا ينافي أن يكون الولد من ماءين أو أكثر ، ولو لم يكن هذا جائزا لما حكم به عمر - رضي الله عنه - حيث جعل الولد فيما ذكرنا بين الاثنين ، وكذلك علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حكم كذلك ، على ما يأتي الآن .




                                                الخدمات العلمية