الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4781 4782 4783 4802 ص: واحتج في ذلك بما روي عن رسول الله -عليه السلام-:

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا عمرو بن مرزوق، قال: ثنا شعبة ، عن أبي عبد العزيز الزبيدي ، عن عمر بن الحكم ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي -عليه السلام- قال: " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام".

                                                حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا مكي ، وشجاع، . (ح).

                                                وحدثنا عبد الرحمن بن الجارود ، قال: ثنا مكي: قالا: ثنا موسى بن عبيدة ، عن داود بن مدرك ، عن عروة ، عن عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله -عليه السلام- .... مثله .

                                                ذكر في هذه الآثار: لم يجز لمن أوجب على نفسه صلاة في شيء منها إلا أن يصليها حيث أوجب، أو فيما هو أفضل منه من المواضع.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج أبو يوسف فيما ذهب إليه بأحاديث أخرجها عن تسعة أنفس من الصحابة وهم: سعد بن أبي وقاص، وعائشة، وعبد الله بن عمر، وميمونة زوج النبي -عليه السلام-، وأبو هريرة ، وأبو سعيد ، وعبد الله بن الزبير ، وعمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم- ففي أحاديث هؤلاء فضل الصلاة في بعض هذه المساجد [أي] المسجد الحرام، ومسجد النبي -عليه السلام- ومسجد بيت المقدس، فإذا أوجب الرجل على نفسه صلاة في مسجد من هذه المساجد ليس له إلا أن يصليها حيث عينها فيه، أو في موضع أفضل منه، وهو معنى قوله: "قال: فلما كان فضل".

                                                [ ص: 39 ] أي: قال أبو يوسف: فلما كان النبي -عليه السلام- فضل الصلاة .. إلى آخره.

                                                أما حديث سعد فأخرجه عن محمد بن خزيمة ، عن عمرو بن مرزوق البصري شيخ أبي داود ، عن شعبة ، عن أبي عبد العزيز موسى بن عبيدة الربذي، فيه مقال، فعن يحيى: لا يحتج بحديثه. وعنه: ضعيف. وعنه: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة.

                                                ونسبته إلى ربذة -بفتح الراء والباء الموحدة والذال المعجمة- وهي قرية معروفة قرب المدينة، وبها قبر أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو داود، نا شعبة ، عن موسى بن عبيدة أبي عبد العزيز الربذي ، عن عمر بن الحكم ، عن سعد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام".

                                                واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث وأمثاله ومعناه، فتأوله قوم منهم: أبو بكر عبد الله بن نافع الزبيري -صاحب مالك- على أن الصلاة في مسجد رسول الله -عليه السلام- أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف درجة، وأفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة، وقال بذلك جماعة من المالكية، ورواه بعضهم عن مالك.

                                                قال أبو عمر: قال عامة أهل الأثر والفقه: إن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد رسول الله -عليه السلام- بمائة صلاة.

                                                وقال: وأما تأويل ابن نافع فبعيد عند أهل المعرفة باللسان; ويلزمه أن يقول: إن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بتسع مائة ضعف وتسعة وتسعين ضعفا، وإذا كان هذا لم يكن للمسجد الحرام فضل على سائر المساجد إلا بالجزء اللطيف على تأويل ابن نافع، فأنى حد حدا في ذلك لم يكن لقوله دليل ولا حجة.

                                                [ ص: 40 ] وأما حديث عائشة فأخرجه من طريقين:

                                                الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري ، عن مكي بن إبراهيم البلخي شيخ البخاري .

                                                وعن شجاع بن مخلد الفلاس شيخ مسلم وأبي داود وابن ماجه، كلاهما عن موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي ، عن داود بن مدرك -مسكوت عنه- عن عروة ، عن عائشة.

                                                وأخرجه البزار في "مسنده" بأتم منه:

                                                ثنا أحمد بن منصور، نا عبيد الله بن موسى، نا موسى -وهو ابن عبيدة- عن داود بن مدرك ، عن عروة ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء، أحق المساجد أن تزار وترحل إليه الرواحل: المسجد الحرام، ومسجدي، صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام".

                                                الثاني: عن عبد الرحمن بن الجارود ، عن مكي بن إبراهيم ، عن موسى بن عبيدة ، عن داود بن مدرك .. إلى آخره.

                                                وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه بإسناد صحيح، عن فهد بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن يعلى بن عبيد الطنافسي ، عن موسى بن عبد الله -ويقال عبد الرحمن- الجهني الكوفي ، عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                وأخرجه النسائي: عن عمرو بن علي وابن مثنى ويحيى ، عن موسى الجهني ، عن نافع ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام".

                                                [ ص: 41 ] وقال النسائي: لا أعلم رواه عن نافع ، عن ابن عمر غير موسى، وخالفه ابن جريج وغيره -يعني عروة- عن نافع ، عن إبراهيم بن عبد الله أبي الدرداء فأخرجه البزار في "مسنده": ثنا إبراهيم بن حميد، قال: ثنا محمد بن يزيد بن شداد، نا سعيد بن سالم القداح، نا سعيد بن بشير ، عن إسماعيل بن عبيد الله ، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره: مائة ألف صلاة، وفي مسجدي: ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس: خمسمائة صلاة".

                                                قال البزار: إسناده حسن.

                                                وأما حديث جبير بن مطعم فأخرجه الطبراني .

                                                ثنا معاذ بن المثنى، قال: ثنا مسدد، ثنا حصين بن نمير، ثنا حصين ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام".

                                                وأما حديث أبي ذر - رضي الله عنه - فأخرجه الطبراني في "الأوسط" من رواية قتادة ، عن أبي الخليل ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر، قال: "تذاكرنا ونحن عند رسول الله -عليه السلام- أيهما أفضل; مسجد رسول الله -عليه السلام- أو بيت المقدس؟ فقال رسول الله -عليه السلام-: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو...." الحديث.

                                                وأما حديث علي - رضي الله عنه - فأخرجه البزار في "مسنده" من رواية سلمة بن وردان ، عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام- قال: "ما بين قبري [ ص: 42 ] ومنبري روضة من رياض الجنة، وصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام".

                                                وسلمة بن وردان ضعيف، ولم يسمع من علي - رضي الله عنه -.




                                                الخدمات العلمية