الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4890 [ ص: 516 ] ص: فإن قال قائل: إن هذا الذي ذكرت من وطء ذات المحرم منه على النكاح الذي وصفت، وإن لم يكن زنا فهو أغلظ من الزنا وأحرى أن يجب فيه ما يجب في الزنا.

                                                قيل له: قد أخرجته بقولك هذا من أن يكون زنا، وزعمت أنه أغلظ من الزنا، وليس ما كان مثل الزنا أو ما كان أعظم من الزنا من الأشياء المحرمة يجب في انتهاكها من العقوبات ما يجب في الزنا; لأن العقوبات إنما تؤخذ من جهة التوقيف لا من جهة القياس، ألا ترى أن الله -عز وجل- قد حرم الميتة والدم ولحم الخنزير كما حرم الخمر، وقد جعل على شارب الخمر حدا ، لم يجعل مثله على آكل لحم الخنزير. ولا على آكل لحم الميتة؟ وإن كان تحريم ما أتى به هذان كتحريم ما أتى ذلك.

                                                وكذلك قذف المحصنة جعل الله -عز وجل- فيه جلد ثمانين، وسقوط شهادة القاذف، وإلزامه اسم الفسق، ولم يجعل ذلك فيمن رمى رجلا بالكفر، والكفر في نفسه أعظم وأغلظ من القذف، وكانت العقوبات قد جعلت في أشياء خاصة ولم تجعل في أمثالها ولا في أشياء هي أعظم منها وأغلظ، فكذلك ما جعل الله -عز وجل- من الحد في الزنا لا يجب به أن يكون واجبا فيما هو أغلظ من الزنا.

                                                فهذا الذي ذكرنا في هذا الباب هو النظر، وهو قول أبي حنيفة وسفيان -رحمهما الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: إن وطئ ذات المحرم منه بالنكاح وإن لم يكن زنا على ما ذكرت، ولكنه أغلظ من الزنا في الحرمة، وكان الحد في الزنا الذي هو أدنى درجة منه واجبا، فوجوبه فيما هو أعلى منه بالطريق الأولى.

                                                وملخص الجواب أن يقال: إن باب العقوبات توقيفي لا مجال للقياس فيه، ولو كان هذا الباب يؤخذ بالقياس لكان يجب الحد على آكل لحم الخنزير أو الميتة كما يجب على شارب الخمر، مع وجود التساوي في الحرمة في هذه الأشياء، ومع هذا أوجب الشارع الحد على شارب الخمر ولم يجعل مثله على آكل لحم الخنزير أو [ ص: 517 ] الميتة، وكذلك أوجب الحد على قاذف المحصنة، وأسقط شهادته، وألزمه اسم الفسوق، ولم يوجب شيئا من ذلك على من رمى رجلا بالكفر، والحال أن الكفر في نفسه أعظم وأغلظ من القذف بالزنا، فعلمنا أن القياس لا يجري في باب العقوبات.

                                                قوله: "فهذا الذي ذكرنا" أشار به إلى ما ذكره فيما مضى من الاستدلالات لأبي حنيفة وسفيان "هو النظر" أي القياس، وأراد أن القياس الصحيح هو قولهما مع ورود الآثار الدالة على ما ذهبنا إليه. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية