الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4892 [ ص: 520 ] ص: حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم ، قال: ثنا عبد العزيز بن المختار الأنصاري ، قال: ثنا عبد الله الداناج، قال: ثنا حضين بن المنذر الرقاشي ، قال: " شهدت عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وقد أوتي بالوليد بن عقبة ، وقد صلى بأهل الكوفة أربعا، وقال: أزيدكم؟ قال: فشهد عليه حمران ورجل آخر، قال: فشهد عليه أحدهما أنه رآه يشربها، وشهد الآخر أنه رآه يقيئها، قال: فقال عثمان : - رضي الله عنه -: لم يقئها حتى شربها، قال: فقال عثمان لعلي - رضي الله عنهما -: أقم عليه الحد، ، فقال علي لابنه الحسن : - رضي الله عنهما -: أقم عليه الحد، . فقال الحسن: : ول حارها من تولى قارها، . قال: فقال علي 5 لعبد الله بن جعفر : - رضي الله عنهم -: أقم عليه الحد، فأخذ السوط، فجعل يجلده، وعلي - رضي الله عنه - يعد حتى بلغ أربعين، ثم قال له: أمسك، ثم قال: إن النبي -عليه السلام- جلد أربعين، وجلد أبو بكر - رضي الله عنه - أربعين، وجلد عمر - رضي الله عنه - ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي". (

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح.

                                                ومسلم بن إبراهيم الأزدي القصاب البصري، شيخ البخاري وأبي داود .

                                                وعبد العزيز بن المختار الأنصاري أبو إسحاق الدباغ البصري، روى له الجماعة.

                                                وأخرجه مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ، وعلي بن حجر قالوا: نا إسماعيل وهو ابن علية ، عن ابن أبي عروبة ، عن عبد الله الداناج (ح).

                                                وثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي -واللفظ له- قال: أنا يحيى بن حماد، قال: نا عبد العزيز بن المختار، قال: ثنا عبد الله بن فيروز مولى أبي عامر الداناج قال: نا حصين بن المنذر أبو ساسان قال: "شهدت عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان ...." إلى آخره نحوه.

                                                [ ص: 521 ] وأخرجه أبو داود: عن مسدد ، عن عبد العزيز بن المختار .... إلى آخره نحوه.

                                                وابن ماجه: عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، عن عبد العزيز بن المختار .... إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "أوتي بالوليد" هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو، واسم أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس أم عثمان بن عفان ، فالوليد أخو عثمان لأمه، يكنى أبا وهب، أسلم يوم فتح مكة هو وأخوه خالد بن عقبة .

                                                قال أبو عمر: أظنه لما أسلم كان قد ناهز الاحتلام.

                                                قال ابن ماكولا: رأى الوليد رسول الله -عليه السلام- وهو طفل صغير.

                                                وكان من رجال قريش ظرفا وحلما وشجاعة وأدبا، وكان من الشعراء المطبوعين، كان الأصمعي وأبو عبيدة والكلبي وغيرهم يقولون: كان الوليد شريب خمر، وكان شاعرا كريما، وكان عثمان - رضي الله عنه - ولاه الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ولما قتل عثمان اعتزل الفتنة، وقيل: شهد صفين مع معاوية، وقيل: لم يشهدها ولكنه كان يحرض معاوية بكتبه وشعره، وأقام في الرقة إلى أن توفي بها. والله أعلم.

                                                قوله: "وقد صلى بأهل الكوفة أربعا" أراد أنه صلى صلاة الصبح أربع ركعات وقال: "أزيدكم" وفي رواية مسلم: "قد صلى الصبح ركعتين، وقال: أزيدكم؟ " قال أبو عمر: وخبر صلاته بهم سكران، وقوله: "أزيدكم بعد أن صلى الصبح أربعا" مشهور من رواية الثقات من أهل الحديث.

                                                [ ص: 522 ] قوله: "فشهد عليه حمران" وهو حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان من التابعين الثقات.

                                                قوله: "يقيئها" من قاء يقيء قيئا إذا استفرغ.

                                                قوله: "ول حارها من تولى قارها" قال الأصمعي: يعني ول شديدها من تولى هينها. قاله أبو داود في "سننه".

                                                وقال المنذري: "ول حارها" بتشديد اللام، هذا مثل من أمثال العرب معناه: ول العقوبة والضرب من توليه العمل والنفع، وقال الخطابي: القار: البارد.

                                                وقال ابن الأثير: جعل الحر كناية عن الشر والشدة، والبرد كناية عن الخير والهين، والقار فاعل من القر وهو البرد، أراد: ول شرها من تولى خيرها.

                                                قلت: "ول" أمر من ولى يولي تولية، والضمير في حارها وقارها يرجع إلى القضية المعهودة، و"الحار" منصوب بقوله: "ول" و"القار" منصوب بقوله: "تولى".

                                                ويستفاد منه:

                                                إقامة الفضلاء الحدود بأنفسهم; لأنها من أفضل القربات، ويختار لها أهل الفضل والعدل إذا أمكنوا; لئلا يتعدوا ذلك.

                                                وفيه: جواز استنابة الحكام فيما قلدوه لاسيما بحضرة المقلد، وقيل: إنما خص عثمان عليا - رضي الله عنهما - بحده؛ لكونه أقرب إليه من غيره؛ إذ يجمعهما عبد مناف، علي بن أبي طالب من بني هاشم بن عبد مناف، والوليد بن عقبة من بني عبد شمس بن عبد مناف.

                                                وفيه أن أصل الحد هو أربعون، وما وراءها تعزير، قاله الخطابي، وسيجيء الكلام فيه مستقصى.




                                                الخدمات العلمية