الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4897 4898 ص: حدثنا يونس ، قال: ثنا ابن وهب ، قال: أخبرني أسامة بن زيد الليثي ، أن ابن شهاب حدثه، أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف حدثه، أن رجلا من كلب يقال له: ابن وبرة أخبره: "أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - كان يجلد في الشراب أربعين، وكان عمر - رضي الله عنه - يجلد فيها أربعين. قال: فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر بن الخطاب ، - رضي الله عنهما - فقدمت عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن خالدا بعثني إليك، قال: فيم؟ قلت: إن الناس قد تجافوا العقوبة وانهمكوا في [ ص: 528 ] الخمر فما ترى في ذلك؟ فقال عمر - رضي الله عنه - لمن حوله: ما ترون؟ فقال علي بن أبي طالب : - رضي الله عنه -: نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة، فقبل عمر - رضي الله عنه - ذلك".

                                                فكان خالد - رضي الله عنه - أول من جلد ثمانين، ثم جلد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ناسا بعده.

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا روح بن عبادة ، قال: ثنا أسامة بن زيد الليثي . ... ، فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال: "أتيت عمر بن الخطاب فوجدت عنده عليا ، وطلحة 5 والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهم - وهم متكئون في المسجد .... فذكر مثل ما في حديث يونس، . غير أنه زاد في كلام علي - رضي الله عنه - أنه قال: "إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون. وتابعه أصحابه ...." ثم ذكر الحديث.

                                                أفلا ترى أن عليا - رضي الله عنه - لما سئل عن ذلك ضرب أمثال الحدود كيف هي، ثم استخرج منها حدا برأيه فجعله لحد المفتري، ولو كان عنده شيء مؤقت عن النبي -عليه السلام- لأغناه عن ذلك، ولو كان عند أصحابه أيضا في ذلك عن رسول الله -عليه السلام- شيء، إذا لأنكروا عليه أخذ ذلك من جهة الاستنباط وضرب الأمثال، فدل ما ذكرنا منه ومنهم أنه لم يكن عندهم في ذلك عن رسول الله -عليه السلام- شيء، فكيف يجوز أن يقبل بعد هذا عن علي - رضي الله عنه - ما يخالف هذا؟! ".

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا أيضا من الدلائل الدالة على ما ذكرنا.

                                                وأخرجه من طريقين:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن أسامة بن زيد الليثي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبي وبرة وهو رجل من كلب.

                                                ووبرة بفتح الواو وسكون الباء.

                                                وأخرجه عبد الله بن وهب في "مسنده".

                                                [ ص: 529 ] الثاني: عن علي بن شيبة ، عن روح بن عبادة ، عن أسامة بن زيد الليثي .... إلى آخره.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث أسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي وبرة الكلبي قال: "أرسلني خالد بن الوليد - رضي الله عنه - إلى عمر - رضي الله عنه - فأتيته ومعه عثمان وعبد الرحمن بن عوف وعلي وطلحة والزبير - رضي الله عنهم - وهم معه متكئون في المسجد فقلت: إن خالدا أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام، ويقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتجافوا العقوبة فيه، فقال عمر: هم هؤلاء عندك فسلهم، فقال علي - رضي الله عنه -: تراه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون، فقال عمر - رضي الله عنه -: أبلغ صاحبك ما قال، قال: فجلد ثمانين، وجلد عمر ثمانين. قال: وكان عمر - رضي الله عنه - إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الزلة ضربه أربعين، قال: وجلد عثمان أيضا ثمانين وأربعين".

                                                قوله: قال: "فبعثني خالد بن الوليد" القائل هو ابن وبرة الكلبي .

                                                قوله: "فيم؟ " أي في أي شيء بعثك؟

                                                قوله: "تجافوا العقوبة" أي أبعدوها عن أنفسهم، وأصله من الجفاء -بالجيم- وهو التبعد.

                                                قوله: "وانهمكوا" من الانهماك، وهو التمادي في الشيء واللجاج فيه.

                                                قوله: "وهم متكئون في المسجد" المتكئ في العربية كل من استوى قاعدا على وطاء متمكنا، والعامة لا تعرف المتكئ إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه، والياء فيه بدل من الواو، وأصله من الوكاء وهو ما يشد به الكيس وغيره، كأنه أوكأ مقعدته وشدها بالقعود على الوطاء الذي تحته.

                                                قوله: "هذى" من الهذيان وهو اختلاط الكلام، يقال: هذى في منطقه يهذي ويهذو هذوا وهذيانا.

                                                [ ص: 530 ] قوله: "افترى" أي كذب، يقال: فرى يفري فريا، وافترى يفتري افتراء، إذا كذب، وهو افتعال منه.

                                                قوله: "أفلا ترى...." إلى آخره، توضيح لما قاله فيما قيل من أن عليا - رضي الله عنه - لم يكن عنده شيء مؤقت في حد الخمر.

                                                قوله: "إذا" أي حينئذ.




                                                الخدمات العلمية