الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4903 4904 4905 ص: وقد جاءت الآثار متواترة أن رسول الله -عليه السلام- لم يكن يقص في حد الشارب إلى عدد من الضرب معلوم، حتى لقد بين في بعض ما روي عنه في ذلك مثل ما رويناه عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله -عليه السلام- مات ولم يسن فيه حدا، . فمما روي في ذلك:

                                                ما حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: أنا أسامة بن زيد الليثي ، عن ابن شهاب حدثه، عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "كأني أنظر إلى رسول الله -عليه السلام- وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - يوم حنين، فبينما هو كذلك أتي برجل قد شرب الخمر، فقال للناس: اضربوه، فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصي ومنهم من ضربه الميتخة -يريد الجريدة الرطبة- ثم أخذ رسول الله -عليه السلام- ترابا من الأرض فرمى به في وجهه".

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا روح بن عبادة ، قال: ثنا أسامة بن زيد ، قال: حدثني ابن شهاب ، قال: حدثني عبد الرحمن بن أزهر الزهري ، قال: "رأيت رسول الله -عليه السلام- يوم حنين يتخلل الناس، يسأل عن منزل خالد بن الوليد - رضي الله عنه - فأتي بسكران، فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم، ثم حثى عليه التراب، ثم أتيأبو بكر - رضي الله عنه - بسكران، فتوخى الذي قد كان من ضربهم عند رسول الله -عليه السلام- فضربه أربعين، ثم أتي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بسكران، فضربه أربعين".

                                                أفلا ترى أن أبا بكر - رضي الله عنه - إنما كان ضرب بعد النبي -عليه السلام- أربعين على التحري منه لضرب النبي -عليه السلام- الذي كان; لأن النبي -عليه السلام- لم يكن أوقفهم في ذلك على شيء بعينه.

                                                [ ص: 535 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 535 ] ش: أي قد جاءت الأحاديث متكاثرة أنه -عليه السلام- لم يكن يقصد في حد شارب الخمر إلى عدد معين في الضرب، وأشار بهذه الأحاديث إلى معنيين: أحدهما هذا، والآخر أن هذه تعضد ما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: "مات رسول الله -عليه السلام- ولم يسن فيه حدا".

                                                وأخرج حديث عبد الرحمن بن أزهر من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن أسامة بن زيد الليثي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبد الرحمن بن أزهر الزهري القرشي عم عبد الرحمن بن عوف .

                                                وأخرجه أبو داود: ثنا سليمان بن داود المهري ابن أخي رشدين بن سعد قال: أنا ابن وهب .... إلى آخره نحوه.

                                                الثاني: عن علي بن شيبة ، عن روح بن عبادة .... إلى آخره.

                                                وأخرجه الدارقطني في "سننه": عن القاضي الحسين بن إسماعيل ، عن يعقوب الدورقي ، عن صفوان بن عيسى ، عن أسامة ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله -عليه السلام- يوم حنين وهو يتخلل الناس ...." إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" وفي كتابه "الخلافيات": عن أحمد بن محمد الأصبهاني ، عن الدارقطني .... إلى آخره.

                                                قوله: "بالميتخة" بكسر الميم، وسكون الياء آخر الحروف، وفتح التاء المثناة من فوق، والخاء المعجمة، قال ابن الأثير: هكذا جاء في رواية بتقديم الياء على التاء وهي الدرة أو العصا أو الجريدة، وقيل: هي بكسر الميم، وتشديد التاء المثناة من فوق، وسكون الياء آخر الحروف.

                                                [ ص: 536 ] وجاء فتح الميم أيضا، مع تشديد التاء المثناة من فوق قبل الياء.

                                                وجاء كسر الميم، مع سكون التاء المثناة من فوق قبل الياء.

                                                قال الأزهري: وهذه كلها أسماء لجرائد النخل وأصل العرجون، وقيل: هي اسم للعصا، وقيل: القضيب الدقيق اللين، وقيل: كل ما ضرب به من جريد أو عصا ودرة وغير ذلك، وأصلها فيما قيل من متخ الله رقبته بالسهم: إذا ضربه، وقيل: من تيخه العذاب وطيخه إذا ألح عليه، فأبدلت التاء من الطاء.

                                                قوله: "فتوخى" من توخيت الشيء أتوخاه توخيا إذا قصدت إليه وتعمدت فعله، وتحريت فيه.




                                                الخدمات العلمية