الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6431 ص: والدليل على ذلك أن فهدا قد حدثنا، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا أبو شهاب ، عن ابن أبي ليلى ، عن عيسى: " ، أن أباه بعثه إلى أنس - رضي الله عنه - في حاجة، فأبصر عنده طلاء شديدا".

                                                والطلاء ما يسكر كثيره، فلم يكن ذلك عند أنس خمرا وإن كثيره يسكر،
                                                . فثبت بما وصفنا أن الخمر لم يكن عند أنس ، من كل شراب يسكر، ولكنها من خاص. من الأشربة.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي الدليل على أن أنسا - رضي الله عنه - قد أراد بقوله: "وإنها لخمرنا يومئذ" ما كنا نخمر، ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ الشيخين وأبي داود ، عن أبي شهاب الصغير عبد ربه بن نافع الكناني الحناط -بالنون- الكوفي نزل المدائن، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي الكوفي، عن أخيه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: "أن أباه عبد الرحمن بن أبي ليلى بعثه إلى أنس بن مالك - رضي الله عنه - في حاجة، فأبصر عنده طلاء شديدا". انتهى.

                                                والطلاء ما يسكر كثيره، فلم يكن ذلك عند أنس خمرا والحال أن كثيره يسكر.

                                                فثبت بذلك أن الخمر لم يكن عند أنس من كل شراب يشرب ويسكر، وإنما هي اسم لشراب خاص من بين الأشربة.

                                                [ ص: 57 ] وهذا الأثر يدل على أن أنسا كان يشرب الطلاء.

                                                قال ابن أبي شيبة: ثنا عبد الرحيم بن سليمان ووكيع ، عن عبيدة ، عن خيثمة ، عن أنس - رضي الله عنه - "أنه كان يشرب الطلاء على النصف"، وكذا روي عن البراء وأبي جحيفة ، وجرير بن عبد الله ، وابن الحنفية ، وشريح القاضي ، وقيس ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي - رضي الله عنهم -.

                                                وقال أصحابنا الحنفية: العصير المسمى بالطلاء إذا طبخ فذهب أقل من ثلثيه يحرم شربه. وقيل: الطلاء هو الذي يذهب ثلثه، وإن ذهب نصفه فهو المنصف، وإن طبخ أدنى طبخة فهو الباذق، والكل حرام إذا غلى واشتد وقذف بالزبد.

                                                وكذا يحرم نقيع الرطب وهو المسمى بالسكر إذا غلى واشتد وقذف بالزبد. وكذلك نقيع الزبيب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد.

                                                ولكن حرمة هذه الأشياء دون حرمة الخمر، حتى لا يكفر مستحلها، ولا يجب الحد بشربها ما لم يسكر، ونجاستها خفيفة في رواية، وغليظة في أخرى، ويجوز بيعها عند أبي حنيفة، وتضمن قيمتها بالإتلاف. وقال: لا يحرم بيعها ولا يضمنها بالإتلاف. وقد قال بعضهم: إن الباذق: الخمر المطبوخ.

                                                قال ابن التين: هو اسم فارسي عربته العرب. وقال الجواليقي: باذه أي باذق، وهو الخمر المطبوخ. وقال الداودي: هو يشبه الفقاع، إلا أنه ربما يشتد.

                                                وقال البخاري: باب الباذق: ثنا محمد بن كثير، أنا سفيان ، عن أبي الجويرية قال: "سألت ابن عباس عن الباذق، فقال: سبق محمد -عليه السلام- الباذق، فما أسكر فهو حرام. قال: الشراب الحلال الطيب؟ قال: ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث".

                                                [ ص: 58 ] وقال ابن التين: هو بفتح الذال، وقال أبو الحسن عن بعض الحذاق: لم يرد ابن عباس أن الباذق اسم حدث بعد سيدنا رسول الله -عليه السلام- وأنه لم يكن قديما في العرب.

                                                وسئل عن فتح الذال فقال: ما وقفنا عليه، ولكن الذي قرأ بكسرها.

                                                وقال ابن بطال: يعني سبق محمد -عليه السلام- بتحريم الخمر قبل تسميتهم لها بالباذق، وهو من شراب العسل، وزعم ابن قرقول أنه طلاء مطبوخ من عصير العنب، كان أول من صنعه وسماه بنو أمية لينقلوه عن اسم الخمر، وكان مسكرا.

                                                والاسم لا ينقلب عن معناه الموجود فيه، وقال ابن سيده: هو الخمر، وقال القزاز: هو ضرب من الأشربة.




                                                الخدمات العلمية