الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                391 [ ص: 31 ] ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن يحيى بن سعيد ، عن بشير بن يسار مولى بني حارثة، أن سويد بن النعمان حدثه: " أنه خرج مع رسول الله - عليه السلام - عام خيبر ، حتى إذا كان بالصهباء ، ( -وهي من أدنى خيبر - نزل فصلى العصر، ثم دعى بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثري، فأكل وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ". .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح، ورجاله كلهم رجال مسلم، وبشير -بضم الباء الموحدة، وفتح الشين المعجمة- ويسار بفتح الياء آخر الحروف، والسين المهملة.

                                                وأخرجه البخاري : عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ... إلى آخره نحوه.

                                                والنسائي : عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه، عن ابن القاسم ، عن مالك ... إلى آخره.

                                                قوله: "عام خيبر " قال ابن سعد: كانت في جمادى الأولى سنة سبع، وسميت خيبر باسم رجل من العماليق نزلها، واسمه خيبر بن فانية بن مهلاييل، وبينها وبين المدينة ثمانية برد، واختلف في فتحها، فقيل: صلحا، وقيل: عنوة، وقيل: جلا أهلها عنها بغير قتال، وقيل: بعضها صلحا وبعضها عنوة، وبعضها جلا أهلها عنها بغير قتال، وعلى كل ذلك تدل الأحاديث الواردة.

                                                قوله: " بالصهباء " وهي موضع على روحة من خيبر .

                                                وقال البكري: على بريد، على لفظ تأنيث أصهب.

                                                قوله: "ثم دعى بالأزواد" أي طلبها، وهي جمع زاد، وهو طعام يتخذ للسفر، تقول: زودت الرجل فتزود، والمزود: ما يجعل فيه الزاد.

                                                قوله: "بالسويق" قال صاحب "المحكم": يقال فيه: السويق، والجمع أسوقة.

                                                قال الفارسي: سمي به لانسياقه في الحلق، والقطعة منه سويقة.

                                                [ ص: 32 ] وقال أبو حاتم: إن عملوا الغريضة -وهو ضرب من السويق- صرموا من الزرع ما يريدون حين يستفرك، ثم يسهمونه -وتسهيمه أن يسخن على المقلى حتى ييبس- وإن شاءوا جعلوا على المقلى النوذنج وهو أطيب لطعمه، وعاب رجل السويق بحضرة أعرابي فقال: لا تعبه؛ فإنه عدة المسافر، وطعام العجلان، وغذاء المبكر، وبلغة المريض، وهو يسر فؤاد الحزين، ويرد من نفس المحرور، وجيد في التسمين، ومنعوت في الطب، وقفاره يحلق البلغم، وملتونه يصفي الدم، وإن شئت كان شرابا، وإن شئت كان طعاما، وإن شئت كان ثريدا، وإن شئت كان خبيصا .

                                                والسويق يتخذ من الشعير أو القمح، يدق فيكون شبه الدقيق، إذا احتيج إلى أكله خلط بماء أو لبن أو رب ونحوه.

                                                وقال قوم: هو الكعك. قال السفاقسي: قال بعضهم كان ملتوتا بسمن، وقال الداودي: هو دقيق الشعير والسلت (المقلو) .

                                                ويرد على من قال: هو الكعك؛ قول ابن عمر: يا حبذا الكعك بلحم مثرود وخشكنان (مع سويق) مقنود.

                                                قوله: "فثري" من ثريت السويق: صببت عليه ماء ثم لتتته، وفي "مجمع الغرائب": ثرى تثري تثرية: إذا بل التراب، ويقال: ثر المكان: أي رششه، وإنما بل السويق لما كان لحقه من اليبس والقدم.

                                                ويستنبط منه أحكام:

                                                - إباحة الزاد في السفر خلافا لمن يمنع ذلك.

                                                - وألا وضوء مما مست النار.

                                                - ونظر الإمام لأهل العسكر عند قلة الأزواد وجمعها؛ ليقوت من لا زاد له.

                                                [ ص: 33 ] - وأن القوم إذا فني زاد أكثرهم، فالواجب أن يتواسوا في زاد من بقي.

                                                - وأن المضمضة منه إنما كانت لاحتباس شيء منه بين الأسنان؛ فربما تشغل المصلي.

                                                واستدل أبو عمر وغيره على أن هذا الحديث ناسخ لما تقدم من الحظر، وفيه نظر؛ لأن [1\ق109 -أ] من جملة رواة الحظر أبا هريرة، وإسلامه بعد خيبر ، وهذا الحديث عن مسيرهم إليها، فافهم.




                                                الخدمات العلمية