الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7273 ص: فلما انتفى أن يكون في هذه الآثار شيء يدل على كيفية التكبير في العيدين لما بينا من وهائها وسقوطها، نظرنا في غيرها هل فيه ما يدل على شيء من ذلك؟ فإذا علي بن عبد الرحمن ويحيى بن عثمان قد حدثانا، قالا: ثنا عبد الله بن يوسف ، عن يحيى بن حمزة قال حدثني الوضين بن عطاء ، أن القاسم أبا عبد الرحمن حدثه، قال: حدثني بعض أصحاب النبي -عليه السلام- قال: " صلى بنا النبي -عليه السلام- يوم عيد، فكبر أربعا وأربعا، ثم أقبل علينا بوجهه حين انصرف، فقال: لا تنسوا، كتكبير الجنائز، وأشار بأصابعه وقبض إبهامه". .

                                                فهذا حديث حسن الإسناد، وعبد الله بن يوسف ، ويحيى بن حمزة ، والوضين ، والقاسم ، كلهم أهل رواية معروفون بصحة الرواية، ليسوا كمن روينا عنه الآثار الأول، فإن كان هذا الباب من طريق الإسناد يؤخذ فإن هذا أولى أن يؤخذ به مما خالفه، غير أنه ذكر فيه أن رسول الله -عليه السلام- كبر في كل ركعة أربعا، وأخبرهم أن ذلك كتكبير الجنازة، فاحتمل أن تكون الأربع سوى تكبيرة الافتتاح، فيكون ذلك قد وافق قول الذين احتججنا بهذا الحديث لقولهم.

                                                [ ص: 441 ] واحتمل أن يكون ذلك على أربع بتكبيرة الافتتاح فيكون مخالفا لقولهم.

                                                فنظرنا فيما روي من الآثار في هذا الباب سوى هذا الأثر أيضا، 7274 فإذا محمد بن أحمد الجوزجاني قد حدثنا، قال: ثنا غسان بن الربيع ، قال: ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن أبيه ، أنه سمع مكحولا يقول: حدثني أبو عائشة ، أن سعيد بن العاص دعا أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان - رضي الله عنهم -، فسألهما: كيف كان رسول الله -عليه السلام- يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى : أربعا كتكبيره على الجنائز، وصدقه حذيفة، . فقال أبو موسى: : كذلك كنت أكبر لأهل بصرة إذ كنت أميرا عليهم".

                                                فلم يكن في هذا أيضا زيادة على ما في الحديث الأول.

                                                7275 فنظرنا في ذلك أيضا، فإذا يحيى بن عثمان قد حدثنا، قال: ثنا نعيم بن حماد ، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن النعمان بن المنذر ، عن مكحول، قال: حدثني رسول حذيفة وأبي موسى الأشعري: "أن رسول الله -عليه السلام- كان يكبر في العيدين أربعا أربعا" سوى التكبيرات المذكورات في حديث الحواري، وفي حديث علي بن عبد الله، ويحيى بن عثمان. .

                                                فهذا ما ثبت عندنا في العيدين عن رسول الله -عليه السلام-، ولم نعلم شيئا روي عنه مما يثبت مثله يخالف شيئا من ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما بين أن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى واهية لا يصح الاحتجاج بها، احتاج أن يبين ما يصح به الاحتجاج في هذا الباب.

                                                وأخرج في ذلك عن بعض أصحاب النبي -عليه السلام-: أن تكبيرات العيدين أربع أربع.

                                                رواه عن علي بن عبد الرحمن الكوفي المعروف بعلان ، ويحيى بن عثمان بن صالح المصري كلاهما، عن عبد الله بن يوسف التنيسي المصري شيخ البخاري ، عن [ ص: 442 ] يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي الدمشقي القاضي ، عن الوضين بن عطاء بن كنانة الدمشقي ، عن القاسم بن عبد الرحمن المكنى بأبي عبد الرحمن ، عن بعض أصحاب النبي -عليه السلام-.

                                                وهذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.

                                                أما عبد الله بن يوسف فإنه أحد مشايخ البخاري في "صحيحه" وقال البخاري: كان أثبت الشاميين.

                                                وأما يحيى بن حمزة بن واقد الدمشقي القاضي من بيت لهيا، فإن الجماعة قد رووا له، ووثقه ابن معين وغيره.

                                                وأما الوضين بن عطاء فإن أحمد وثقه وكذلك يحيى ودحيم وأبو داود .

                                                وأما القاسم بن عبد الرحمن الشامي الدمشقي مولى آل أبي سفيان بن حرب الأموي؛ فإن يحيى قال فيه: ثقة الثقات. وقال الجوزجاني: كان حبرا فاضلا، أدرك أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار. وقال العجلي ويعقوب بن سفيان والترمذي: ثقة. واحتجت به الأربعة، وقد أشار الطحاوي أيضا إلى هذا بقوله: فهذا حديث حسن الإسناد وعبد الله بن يوسف ويحيى بن حمزة والوضين والقاسم ... إلى آخره.

                                                قوله: "غير أنه ذكر فيه...إلى آخره" أشار به إلى أن الحديث قد بين أن تكبيرات العيدين أربع كأربع الجنازة، ولكنه ساكت عن أن الأربع هل هي خارجة عن تكبيرة الافتتاح أم هي معها؟ فلم يبين ذلك فيه.

                                                ثم أخرج في ذلك عن مكحول من طريقين:

                                                الأول: مثل الحديث الأول لم يزد فيه شيئا.

                                                والثاني: بين فيه أن تكبيرة الافتتاح خارجة عن الأربع، فثبت بذلك أن تكبيرات العيدين أربع سوى تكبيرة الافتتاح.

                                                [ ص: 443 ] أما الطريق الأول: فأخرجه عن محمد بن أحمد بن عبد الله الجواربي الواسطي ، عن غسان بن الربيع الأزدي الموصلي ، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العبسي الدمشقي الزاهد ، عن أبيه ثابت بن ثوبان الشامي الدمشقي ، عن مكحول الشامي ، عن أبي عائشة القرشي الأموي جليس أبي هريرة ومولى سعيد بن العاص، أن سعيد بن العاص بن أحيحة القرشي الأموي الصحابي...إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا زيد بن حباب، قال: ثنا عبد الرحمن ابن ثوبان ، عن أبيه، أن مكحولا قال: حدثني أبو عائشة وكان جليسا لأبي هريرة قال: "شهدت سعيد بن العاص ودعا أبا موسى الأشعري وحذيفة، فسألهما عن التكبير في العيدين، فقال أبو موسى: كان رسول الله -عليه السلام- يكبر في العيدين كما يكبر على الجنازة، قال: وصدقه حذيفة، قال: فقال أبو موسى: وكذلك كنت أصلي بأهل البصرة وأنا عليها، قال أبو عائشة وأنا حاضر ذلك فما نسيت قوله: "أربعا كالتكبير على الجنازة".

                                                وأخرجه أبو داود: نا محمد بن العلاء وابن أبي زياد المعنى قريب، قالا: ثنا زيد بن حباب ، عن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن أبيه، عن مكحول، أخبرني أبو عائشة ...إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه أحمد أيضا في "مسنده".

                                                فإن قلت: ما حال هذا الحديث؟

                                                قلت: استدل به ابن الجوزي في "التحقيق" للحنفية ثم أعله بعبد الرحمن بن ثوبان وقال: قال ابن معين: هو ضعيف. وقال أحمد: لم يكن بالقوي، وأحاديثه مناكير. قال: وليس يروى عن النبي -عليه السلام- في تكبير العيدين حديث صحيح، وقال [ ص: 444 ] في "التنقيح": عبد الرحمن بن ثوبان وثقه غير واحد، وقال ابن معين: ليس به بأس ولكن أبو عائشة قال ابن حزم فيه: مجهول، وقال ابن القطان: لا يعرف حاله.

                                                وقال البيهقي: خولف راويه في موضعين: في رفعه، وفي جواب أبي موسى، والمشهور أنهم أسندوه إلى ابن مسعود فأفتاهم بذلك، ولم يسنده إلى النبي -عليه السلام-، كذا رواه السبيعي عن عبد الله بن موسى -أو ابن أبي موسى- أن سعيد بن العاص أرسل...إلى آخره، وعبد الرحمن بن ثابت ضعفه ابن معين .

                                                قلت: سكوت أبي داود يدل على أنه مرفوع؛ لأن مذهب المحققين أن الحكم للرافع، لأنه زاد، وأما جواب أبي موسى فيحتمل أنه تأدب مع ابن مسعود فأسند الأمر إليه مرة، وكان عنده فيه حديث عن النبي -عليه السلام- فرواه مرة أخرى، وعبد الرحمن بن ثابت اختلف على ابن معين فيه، قال صاحب "الكمال" قال عباس عن ابن معين: ليس به بأس، وقال ابن المديني وأبو زرعة وأحمد بن عبد الله: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: مستقيم الحديث، وقال المزي وثقه دحيم وغيره.

                                                وأما أبو عائشة فإن أبا داود أخرج له وسكت عنه، وأدنى مراتبه أن يكون حديثه حسنا.

                                                وأما الطريق الثاني: فأخرجه عن يحيى بن عثمان ، عن نعيم بن حماد المروزي الفارض الأعور ، عن محمد بن زيد الواسطي القلاعي ، عن النعمان بن المنذر الغساني الدمشقي ، عن مكحول الشامي إلى آخره.

                                                وهؤلاء كلهم ثقات.

                                                وأخرجه البيهقي من حديث النعمان بن المنذر ، عن مكحول ، عن رسول [ ص: 445 ] أبي موسى وحذيفة، عنهما مرفوعا ولم يسم الرسول وقال: "سوى تكبيرة الافتتاح والركوع".

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا هشيم ، عن ابن عون ، عن مكحول: "أخبرنا من شهد سعيد بن العاص أرسل إلى أربعة نفر من أصحاب الشجرة، فسألهم عن التكبير في العيد، فقالوا: ثماني تكبيرات، فذكرت ذلك لابن سيرين فقال: صدق ولكنه أغفل تكبيرة فاتحة الصلاة".




                                                الخدمات العلمية