الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
731 518 - (729) - (1 \ 94 - 95) عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات، والأرض حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين - وقال أبو النضر: وأنا أول المسلمين - اللهم لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك ".

وكان إذا ركع قال: " اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي وعصبي ".

وإذا رفع رأسه من الركعة قال: " سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ملء السموات والأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد ".

وإذا سجد قال: " اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد

[ ص: 378 ] وجهي للذي خلقه فصوره فأحسن صوره، فشق سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين ".

فإذا سلم من الصلاة قال: " اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ".


التالي السابق


* قوله: "استفتح" : أي: أتى بدعاء الاستفتاح.

والحديث قد أخرجه مسلم، والترمذي بثلاث طرق صححها، ولم يذكر الاستفتاح في شيء منها، وإنما فيها: "إذا قام إلى الصلاة، قال: وجهت، أو نحو ذلك".

* "حنيفا" : مائلا عن سائر الأديان الباطلة.

* "مسلما" : مستمسكا بدين الإسلام.

* "ونسكي" : قيل: أي: عبادتي كلها، وقيل: ذبحي، جمع مع الصلاة كما في قوله تعالى: فصل لربك وانحر [الكوثر: 2]، وقيل: حجي.

* "ومحياي ومماتي" : أي: ما أنا عليه في حياتي، وما أكون عليه عند - موتي; من الإيمان والطاعة، أو طاعات الحياة، والخيرات المضافة إلى الممات; كالوصية والتدبير.

* "ظلمت نفسي" : قاله تشريعا للأمة، وتعظيما لحق الرب، وبيانا لعجز العبد عن أداء حقه.

* "واهدني" : أريد به: التثبيت والزيادة، وفيه بيان دوام حاجة العبد إلى

[ ص: 379 ] فضل الرب - تبارك وتعالى - ، وأنه لولا التثبيت وصرف السوء منه تعالى، لوقع العبد في السوء.

* "لك ركعت" : أي: لا لغيرك خضعت.

* "خشع" : أي: تواضع وخضع إليه السمع وغيره مما ليس من شأنه الإدراك والتأثر، كناية عن كمال الخشوع والخضوع; أي: قد بلغ غايته، حتى كأنه ظهر أثره في هذه الأعضاء، وصارت خاشعة لربها.

* "والمخ" : - بالضم والتشديد - : الدماغ.

* "والعصب" : - بفتحتين - : أطناب المفاصل.

* "ملء السماوات" : تمثيل وتقريب، والمراد: تكثير العدد، أو تعظيم القدر.

* "وملء ما شئت من شيء بعد" : كالعرش والكرسي ونحوهما.

قال النووي: ملء - بكسر الميم، وبنصب الهمزة بعد اللام، ورفعها، والأشهر النصب - ومعناه: لو كان جسما، ملأها; لعظمته.

* "أحسن الخالقين" : أي: المقدرين، أو: لو فرض هناك خالق آخر، لكان أحسنهم خلقا، وإلا فهل من خالق غير الله؟! لا إله إلا هو.

* "فإذا سلم من الصلاة، قال" : ولفظ مسلم: ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: "اللهم اغفر لي. . . إلخ"، وقريب منه لفظ الترمذي في روايتين، ولفظ الثالثة: ويقول عند انصرافه من الصلاة، وعلى هذا فيحمل قوله: "فإذا سلم"; أي: أراد السلام، وقارب أن يسلم، والله - تعالى - أعلم.

[ ص: 380 ] * "أنت المقدم وأنت المؤخر" : أي: تقدم من شئت بطاعتك وغيرها، وتؤخر من شئت عن ذلك، تعز من تشاء، وتذل من تشاء.

* * *




الخدمات العلمية