الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
12046 5509 - (12454) - (3\142 - 143) عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن ثلاثة نفر فيما سلف من الناس، انطلقوا يرتادون لأهلهم، فأخذتهم السماء، فدخلوا غارا، فسقط عليهم حجر متجاف حتى ما يرون منه خصاصة، فقال بعضهم لبعض: قد وقع الحجر، وعفا الأثر، ولا يعلم بمكانكم إلا الله، فادعوا الله بأوثق أعمالكم. قال: فقال رجل منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه قد كان لي والدان، فكنت أحلب لهما في إنائهما فآتيهما، فإذا وجدتهما راقدين قمت على رؤوسهما كراهية أن أرد سنتهما في رؤوسهما، حتى يستيقظا متى استيقظا، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك، ومخافة عذابك، ففرج عنا. قال: فزال ثلث الحجر.

[ ص: 255 ] وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا على عمل يعمله، فأتاني يطلب أجره وأنا غضبان، فزبرته، فانطلق فترك أجره ذلك، فجمعته وثمرته حتى كان منه كل المال، فأتاني يطلب أجره، فدفعت إليه ذلك كله، ولو شئت لم أعطه إلا أجره الأول، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك، ومخافة عذابك، ففرج عنا. قال: فزال ثلثا الحجر.

وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أنه أعجبته امرأة، فجعل لها جعلا، فلما قدر عليها، وفر لها نفسها، وسلم لها جعلها، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك، ومخافة عذابك، ففرج عنا. فزال الحجر، وخرجوا معانيق يتماشون " .


التالي السابق


* قوله : " يرتادون لأهلهم " : من الارتياد; أي: يطلبون لأهلهم الرزق ونحوه.

* " متجاف " : أي: منفصل عن مكانه، أو غليظ عظيم سد عليهم فم الغار، أو منفصل عنهم; أي: ما وقع عليهم.

* " خصاصة " : - بفتح خاء معجمة - ; أي: فرجة.

* " وعفا الأثر " : أي: انمحى، فهو لازم، ويمكن أن يكون متعديا، و " الأثر " - بالنصب - ; أي: محا ذلك الحجر الأثر، ولا يخلو عن بعد; أي: ما بقي لفم الغار أثر، أو ما بقي لنا أثر به يعرف الناس أننا في الغار حتى يرجى مجيء أحد ليفتح علينا.

* " اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي. . . إلخ " : هذه الجملة شرط، جوابه: " ففرج عنا " ، وقوله: " اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك " بدل من الأول ذكر لبعد الجواب، وحينئذ فالشك إنما هو بالنظر أنه هل فعل ذلك لله رجاء لرحمته ومخافة عذابه، أم لا؟ وهذا مشكوك، فلذلك ذكر أداة الشك.

[ ص: 256 ] * " على رؤوسهما " : أي: عند رؤوسهما.

* " أرد " : من الرد.

* " سنتهما " : - بكسر السين - .

* " في رؤوسهما " : يريد أن السنة تجيء من جهة الرأس; فإنها أول النوم، وهو على ما قيل: ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي على العين، ولا تصل إلى القلب، فإذا وصلته، كان نوما، فإذا أيقظ أحد صاحب السنة، ترجع السنة إلى الرأس فتؤذيه.

* " ففرج " : من التفريج.

* " وأنا غضبان، فزبرته " : أي: منعته، وفي بعض النسخ: " فدراني " من الدراية; أي: علمني في الغضب.

* " وثمرته " : من التثمير.

* " كل المال " : لعل المراد به: الكثير.

* " جعلا " : - بضم فسكون - ; أي: أجرا مجعولا.

* " فلما قدر " : - بالتخفيف - .

* " وفر " : من التوفير; أي: ترك لها نفسها سالمة.

* " وسلم " : من التسليم.

* " معانيق " : أي: مسرعين صالحين منبسطين.

في " المجمع " : رواه أحمد مرفوعا كما تراه، ورواه أبو يعلى، والبزار كذلك، ورواه عبد الله موقوفا على أنس، ورجال أحمد وأبي يعلى كليهما رجال الصحيح.




الخدمات العلمية