الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
12096 5538 - (12505) - (3\148 - 149) عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته، فسار بي حتى أتيت بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، قال جبريل: أصبت الفطرة.

قال: ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل، فقيل: ومن أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: ومن أنت؟ قال جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة: يحيى وعيسى، فرحبا ودعوا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف، فإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب، ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: قد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل

[ ص: 276 ] إليه، ففتح الباب، فإذا أنا بإدريس " ، فرحب بي، ودعا لي بخير.

ثم قال: يقول الله: ورفعناه مكانا عليا [مريم: 57].

ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: قد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب، ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى، فرحب، ودعا لي بخير.

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه.

ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها، تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها " .

قال: " فأوحى الله إلي ما أوحى، وفرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قال: قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال: فرجعت إلى ربي فقلت: أي رب! خفف عن أمتي، فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى، فقال: ما فعلت؟ قلت: حط عني خمسا، قال: إن أمتك لا تطيق ذاك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك. قال: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى، ويحط عني خمسا خمسا، حتى قال: يا محمد! هي خمس صلوات في

[ ص: 277 ] كل يوم وليلة، بكل صلاة عشرة، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها، كتبت حسنة، فإن عملها، كتبت عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب شيئا، فإن عملها، كتبت سيئة واحدة. فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك; فإن أمتك لا تطيق ذاك " . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد رجعت إلى ربي حتى لقد استحييت "
.

التالي السابق


* قوله : " وهو دابة أبيض " : قيل: لذلك سمي براقا; من البريق بمعنى اللمعان.

* " عند منتهى طرفه " : - بفتح فسكون - ; أي: بصره، واستدل به على أن يكون قطعها ما بين السماء والأرض في خطوة واحدة; لأن الذي في الأرض يقع بصره على السماء، فبلغ سبع سماوات في سبع خطوات.

* " بيت المقدس " : - بفتح ميم وإسكان قاف وكسر دال مخففة، أو بضم ففتحتين مع تشديد الدال - .

* " بالحلقة " : - سكون اللام أشهر، وجوز فتحها - .

* " يربط " : كيضرب وينصر، وفيه إشارة إلى ما قيل: إن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا يركبونها، وفيه مراعاة الأسباب في هذا العالم، وأن ما جاء فيه التحق بأهله، وإلا، فالظاهر أنه لا يخاف عليه أنه يشرد.

* " الفطرة " : قيل: هي الإسلام والاستقامة، والمعنى: أنه علامة لوجودها في الأمة.

* " ثم عرج " : على بناء الفاعل; أي: البراق، أو جبرائيل، ولفظ " بنا " على الثاني للتعظيم المناسب بمقام الرفعة، أو على بناء المفعول، والباء على الوجهين للتعدية، والجار والمجرور نائب الفاعل على الثاني.

* " قيل: ومن معك؟ " : كأنه ظهر لهم بأمارات أن معه أحدا.

[ ص: 278 ] * " وقد أرسل إليه؟ " : أي: إلى الرسول للإسراء، لا بالوحي; إذ بعيد أن يخفى عليهم أمر البعثة إلى هذه المدة.

* " فرحب " : من الترحيب; أي: قال: مرحبا.

* " شطر الحسن " : قيل: المراد بالشطر: النصف، والمراد: نصف حسن جميع الناس إذا جمع، وقيل: نصف حسن أحسن من خلقه الله من الجن والإنس، وقيل: بل من الإنس فقط، وكانت سارة أحسن من يوسف، وحواء أحسن من سارة.

قيل: كان يوسف - عليه السلام - قد ألقي عليه هيبة النبوة حتى شغلت هيبتها كل من رآه عن حسنه، وقيل: بل المراد بالشطر: الجزء مطلقا.

* " إلى سدرة المنتهى " : قيل: هي منتهى علم الملائكة، ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: ينتهي إليها ما ينزل من فوقها حتى يؤخذ من هناك، وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى.

* " الفيلة " : - بكسر فاء وفتح تحتانية - : جمع الفيل.

* " كالقلال " : - بكسر القاف - : جمع قلة - بالضم - ، وهي جرة عظيمة تسع قربتين أو أكثر.

* " خمسين صلاة " : كأنه تعالى أراد بذلك تشريف نبيه، وإظهار فضله صلى الله عليه وسلم حتى يخفف عن أمته بمراجعته.

* " لا تطيق " : كأنه علم ذلك من أنهم أضعف جسدا، وأقل قوة من بني إسرائيل، والعادة أن ما يعجز عنه القوي يعجز عنه الضعيف.

* " إلى ربي " : أي: موضع مناجاته.

* * *




الخدمات العلمية