الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
14047 [ ص: 67 ] 6084 - (14456) - (3 \ 322 - 323) عن جابر ، قال : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة ، وفي المواسم بمنى ، يقول : "من يؤويني ؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي ، وله الجنة ؟ " ، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مصر - كذا قال - فيأتيه قومه ، فيقولون : احذر غلام قريش ، لا يفتنك . ويمشي بين رجالهم ، وهم يشيرون إليه بالأصابع ، حتى بعثنا الله له من يثرب ، فآويناه وصدقناه ، فيخرج الرجل منا ، فيؤمن به ، ويقرئه القرآن ، فينقلب إلى أهله ، فيسلمون بإسلامه ، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام .

ثم ائتمروا جميعا ، فقلنا : حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ؟ فرحل إليه منا سبعون رجلا ، حتى قدموا عليه في الموسم ، فواعدناه شعب العقبة ، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين ، حتى توافينا ، فقلنا : يا رسول الله ! علام نبايعك ؟ قال : " تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل ، والنفقة في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن تقولوا في الله ، لا تخافون في الله لومة لائم ، وعلى أن تنصروني ، فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ، ولكم الجنة " . قال : فقمنا إليه فبايعناه ، وأخذ بيده أسعد بن زرارة ، وهو من أصغرهم ، فقال : رويدا يا أهل يثرب ، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة ، وقتل خياركم ، وأن تعضكم السيوف ، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك ، وأجركم على الله ، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة ، فبينوا ذلك ، فهو أعذر لكم عند الله . قالوا : أمط عنا يا أسعد ، فوالله لا ندع هذه البيعة أبدا ، ولا نسليها أبدا . قال : فقمنا إليه فبايعناه ، فأخذ علينا وشرط ، ويعطينا على ذلك الجنة .


[ ص: 68 ]

التالي السابق


[ ص: 68 ] * قوله : "يتبع الناس " : من تبع أو اتبع - بالتشديد - ; أي : يدخل عليهم للدعوة إلى الله .

* "بعكاظ " : سوق لهم يجتمعون فيه .

* "ومجنة " : - بفتح الميم وكسرها وفتح الجيم والنون المشددة - : موضع على أميال يسيرة من مكة بناحية مر الظهران ، وقيل : على بريد من مكة ، وهو سوق هجر .

* "من يؤويني ؟ " : من الإيواء ; أي : يحفظني بالدار ، و"من" استفهامية .

* "حتى أبلغ " : من التبليغ أو الإبلاغ .

* "حتى إن الرجل " : - بكسر - "إن" لدخول اللام في خبرها ، وهو قوله : "ليخرج " ، وهذا تعلق بما يفهم من المقام ، فاشتهر بين الناس بذلك "حتى إن الرجل " .

* "احذر " : بفتح الذال المعجمة .

* "لا يفتنك " : بالجزم جواب الأمر .

* "بالأصابع " : كما يفعل بأهل الجنون .

* قوله : "بعثنا الله له " : أي : لنصره وإيوائه .

* "ويقرئه " : من الإقراء ; أي : هو أو بعض أصحابه الذين كانوا نائبين عنه في المدينة .

* "ثم ائتمروا " : أي تشاوروا .

* "يطرد " : على بناء المفعول .

* "من رجل ورجلين " : أي : اجتمعنا عنده رجلا رجلا ، أو رجلين رجلين ، وهذا بيان كيفية الاجتماع .

[ ص: 69 ] * "فإنا لم نضرب أكباد الإبل " : كناية عن السفر ; أي : ما سافرنا إليه .

* "وأن إخراجه " : عطف على "أنه رسول الله " ; أي : إخراجه من مكة إلى دياركم يؤدي إلى "مفارقة العرب" جملة ، وإلى "قتل خياركم " ، وإلى "أن تعضكم العرب" - بفتح العين وتشديد الضاد - .

* "جبينة " : تصغير الجبن بزيادة التاء للمرة ; كأنه نبههم على أن خوف قليل من الجبن مفسد لهذا الأمر ، فكيف الكثير ؟ !

* "أمط " : من الإماطة ; أي : أزل عنا منعك وحلولك بيننا وبين البيعة .

وفي "الزوائد " : رجاله رجال الصحيح .

* * *




الخدمات العلمية