الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1134 695 - (1131) - (1 \ 134 - 135) عن علي ، قال : سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هما في النار " ، قال : فلما رأى الكراهية في وجهها ، قال : "لو رأيت مكانهما لأبغضتهما " ، قالت : يا رسول الله! فولدي منك ؟ قال : "في الجنة " ، قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وإن المشركين وأولادهم في النار " ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم [الطور : 21] .

التالي السابق


* قوله : "عن ولدين " : أي : عن شأنهما ، وأنهما في الجنة أم في النار ؟

* "هما في النار " : فيه دليل على أن الأولاد تابعة لآبائهم في الآخرة دون أمهاتهم .

* "لأبغضتهما " : أي : لو رأيت منزلتهما من الحقارة والبعد عن نظر الله ، لأبغضتهما ، وتبرأت منهما تبرؤ إبراهيم - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - عن أبيه حيث تبين أنه عدو لله .

وفي "المجمع " : فيه محمد بن عثمان لم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح ، والمسألة مختلف فيها ، قال النووي : منهم من قال : هم تبع

[ ص: 20 ] لآبائهم في النار ، ومنهم من توقف ، والصحيح أنهم من أهل الجنة .

قلت : قد جاءت الأحاديث في الظاهر مختلفة ، فقد جاء فيهم : "الله أعلم بما كانوا عاملين " ، وجاء : "من آبائهم " كهذا الحديث ، وجاء غير ذلك ، والأولى في التوفيق أن يقال : جاء قوله صلى الله عليه وسلم : "هم من آبائهم " على ما هو الغالب المظنون فيهم ; إذ الظاهر أن الولد يتبع الآباء في الدين إن عاش ، لكن قد يكون الأمر بخلافه ، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى وجه البناء بقوله : "فأبواه يهودانه " ، ومنع عن الجزم بقوله لعائشة : "أو غير ذلك " ، وجزم في بعض أطفال المؤمنين بالكفر ، فقال في الغلام الذي قتله الخضر : "طبع كافرا " .

وكذا في بعض أطفال الكافرين كما في هذا الحديث ، وفي الحديث : "الوائدة والموءودة في النار " ، وجزم في بعض أطفال المشركين بالخبر ، فقال في روايات الطويل : "وأما الرجل الطويل الذي في الروضة ، فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وأما الولدان حوله ، فكل مولود مات على الفطرة " ، فقال بعض المسلمين : يا رسول الله! وأولاد المشركين ؟ رواه البخاري في "صحيحه" في كتاب الرؤيا ، فصار الحاصل أنه ينبغي التوقف ، ولا ينبغي الجزم ، مع كون الغالب

[ ص: 21 ] هو أن الطفل كالآباء ، وعلم أن السعادة والشقاوة ليستا بالأعمال ، بل باللطف الرباني ، والخذلان الإلهي .

وعلى هذا ، فقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء : 15] ، يحمل على عذاب الاستئصال في الدنيا ; لأن "حتى" يقتضي ظاهرا أن يكون العذاب في الدنيا ، ويعضده ما بعده ، وهو قوله : وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها [الإسراء : 16] ، الآية ، والله تعالى أعلم .

* "ثم قرأ " : أي : استشهادا على بعض الدعوى ، إلا أن يقال : هو استشهاد على تمام الدعوى بانضمام المقايسة إلى مضمون الآية ، فليتأمل .

* * *




الخدمات العلمية