الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
18140 [ ص: 123 ] 8009 - (18614) - (4 \ 295 - 296) عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبر، وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير وهو يلحد له، فقال: " أعوذ بالله من عذاب القبر " ثلاث مرار ثم قال: " إن المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة، وانقطاع من الدنيا، تنزلت إليه الملائكة كأن على وجوههم الشمس، مع كل واحد منهم كفن وحنوط، فجلسوا منه مد البصر، حتى إذا خرج روحه، صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله: أن يعرج بروحه من قبلهم، فإذا عرج بروحه قالوا: رب عبدك فلان، فيقول: أرجعوه، فإني عهدت إليهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى " قال: " فإنه يسمع خفق نعال أصحابه، إذا ولوا عنه، فيأتيه آت فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عز وجل: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [إبراهيم: 27] فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول له: صدقت، ثم يأتيه آت حسن الوجه، طيب الريح، حسن الثياب، فيقول: أبشر بكرامة من الله ونعيم مقيم، فيقول: وأنت فبشرك الله بخير، من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح، كنت والله سريعا في طاعة الله، بطيئا عن معصية الله، فجزاك الله خيرا، ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا كان منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: اسكن. وإن الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزلت عليه [ ص: 124 ] ملائكة غلاظ شداد، فانتزعوا روحه، كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، وتنزع نفسه مع العروق، فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب، إلا وهم يدعون الله: أن لا تعرج روحه من قبلهم، فإذا عرج بروحه، قالوا: رب فلان بن فلان عبدك، قال: أرجعوه، فإني عهدت إليهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه، إذا ولوا عنه، قال: فيأتيه آت فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيقول: لا أدري، فيقول: لا دريت ولا تلوت ، ويأتيه آت قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح فيقول: أبشر بهوان من الله، وعذاب مقيم، فيقول: وأنت ، فبشرك الله بالشر من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعا في معصية الله، فجزاك الله شرا، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة، لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه ضربة حتى يصير ترابا، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين ". قال البراء بن عازب: " ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار".

التالي السابق


* "خفق نعالهم": - بفتح معجمة وسكون فاء فقاف - أي: صوت نعالهم على الأرض إذا مشوا.

* "إذا ولوا": متعلق بالخفق.

* قوله: "فينتهره": أي: ينكر عليه فعله وقوله؛ تشديدا في السؤال.

* "ولا تلوت": هذا هو الظاهر؛ أي: ولا قرأت، وفي بعض النسخ: "ولا تليت" - بالياء - وهو المشهور على أن أصله الواو قلبت ياء للازدواج.

* "ثم يقيض": - بالتشديد - أي: يقرر.

[ ص: 125 ] * "له": لتعذيبه.

* "أعمى أصم أبكم": أي: من لا ينظر إليه، ولا يرحمه، ولا يسمع كلامه، ولا يلتفت إليه.

* "مرزبة": قيل: المحدثون يشددون الباء، والصواب تخفيفها، والحديث قد سبق قريبا.

* * *




الخدمات العلمية