الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
19397 8529 - (19898) - (4\434 - 435) عن أبي رجاء، حدثني عمران بن حصين قال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا أسرينا حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا تلك الوقعة، فلا وقعة أحلى عند المسافر منها. قال: فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان، ثم فلان، كان يسميهم أبو رجاء ونسيهم عوف، ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ؛ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر، ورأى ما أصاب الناس، وكان رجلا أجوف جليدا قال: فكبر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ لصوته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا الذي أصابهم. فقال: " لا ضير أو لا يضير [ ص: 18 ] ارتحلوا". فارتحل فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم فقال: " ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ " فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك". ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتكى إليه الناس العطش، فنزل فدعا فلانا ، كان يسميه أبو رجاء، ونسيه عوف، ودعا عليا فقال: اذهبا فابغيا لنا الماء. قال: فانطلقا فيلقيان امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها فقالا لها: أين الماء؟ فقالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونفرنا خلوف. قال: فقالا لها: انطلقي. إذا قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله. قالت: هذا الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو الذي تعنين. فانطلقي إذا فجاءا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثاه الحديث، فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء، فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين، وأوكى أفواههما، فأطلق العزالي ونودي في الناس: أن اسقوا واستقوا، فسقى من شاء واستقى من شاء، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، فقال: " اذهب فأفرغه عليك". قال: وهي قائمة تنظر ما يفعل بمائها قال: وايم الله لقد أقلع عنها، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجمعوا لها". فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما كثيرا وجعلوه في ثوب وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعلمين والله ما رزئناك من مائك شيئا ، ولكن الله هو سقانا " قال: فأتت أهلها وقد احتبست عنهم فقالوا: ما حبسك يا فلانة؟ فقالت: العجب لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابئ ففعل بمائي كذا وكذا، للذي قد كان، فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه وقالت بأصبعيها الوسطى والسبابة، فرفعتهما إلى السماء، تعني السماء والأرض، أو إنه لرسول الله حقا [ ص: 19 ] قال: وكان المسلمون بعد يغيرون على ما حولها من المشركين، ولا يصيبون الصرم الذي هي منه فقالت: يوما لقومها ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا ؟ فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام.

التالي السابق


* قوله : "وإنا أسرينا": الإسراء: هو سير الليل.

* "تلك الوقعة": المعهودة لمن نزل آخر الليل من المسافرين، والمراد بالوقعة: النوم.

* "فما أيقظنا": - بفتح الظاء، ورفع "الحر" - .

* "وكان أول من استيقظ فلان": جاء في "صحيح البخاري" في علامات النبوة: أنه أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - .

* "ما يحدث، أو يحدث": الأول - على بناء الفاعل؛ من الحدوث - والثاني على بناء المفعول من الإحداث - وهو شك من الراوي، والمراد: أنا لا ندري، لعله يوحى إليه في النوم، فلا نوقظه؛ خوفا من أن نقطع عليه ذلك.

* "أجوف": الأجوف: من له الجوف، والمراد: أنه كبير الجوف عظيمه.

* "جليدا ": أي: قويا في نفسه وجسمه، والمراد: أنه كان جهيرا رفيع الصوت.

* "بالوضوء": - بفتح الواو - أي: بالماء الذي يتوضأ به.

* "فلما انفتل": أي: انصرف.

* "عليك بالصعيد": أي: تيمم به، ففيه التيمم للجنب، وعليه أهل العلم.

* "فابغيا لنا": - بهمزة وصل - أي: فاطلبا لنا، وفي بعض النسخ:

[ ص: 20 ]

"فابغيانا" بلا لام، وحينئذ هو بهمزة قطع من أبغيتك الشيء؛ أي: أعنتك على طلبه.

* "بين مزادتين": - بكسر الميم - أي: روايتين.

* "أو سطيحتين": - بفتح سين وكسر طاء - والسطيحة من مزادة: ما كان من جلدين قوبل أحدهما بالآخر، فسطح عليه، وهي من أواني المياه.

* "عهدي بالماء أمس هذه الساعة": "عهدي": مبتدأ، و"بالماء": متعلق به، خبره: "أمس" و"هذه الساعة" متعلق به، أو بالعكس، وقيل: "أمس": ظرف للعهد، و"هذه الساعة" بدل من "أمس" بدل بعض؛ أي: مثل هذه الساعة، وفيه أنه يبقى المبتدأ بلا خبر.

* "نفرنا": أي: رجالنا، ونفر الإنسان: رهطه وعشيرته، وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة من ثلاثة إلى عشرة، ولا واحد له من لفظه.

* "خلوف": - بضم الخاء وخفة اللام - : جمع خالف؛ أي: غيب، فلذلك خرجت للماء، أو ذكرت ذلك ليترحموا عليها.

* "الصابئ": - بهمزة في آخره - أي: الخارج عن دين آبائه، وكانوا يقولون للمؤمنين ذلك ذما .

* "وأوكى": - بلا همزة في آخره - أي: شد وربط.

* "العزالي": هو - بفتح المهملة والزاي وكسر لام وفتح ياء، ويجوز فتح اللام - أي: أفواهها السفلى، ويطلق على الفم الأعلى أيضا ، جمع عزلاء - بفتح مهملة، ممدود - .

* "أن اسقوا": - بهمزة وصل أو قطع - أي: اسقوا الدواب.

* "فأفرغه": من الإفراغ.

* "لقد أقلع": - على بناء الفاعل أو المفعول - أي: كف.

[ ص: 21 ]

* "عنها": أي: عن القرب.

* "ما رزأناك": - بتقديم المهملة على المعجمة وبعدها همزة - أي: ما نقصناك.

* "وقد احتبست": - على بناء الفاعل أو المفعول - فإنه جاء لازما ومتعديا .

* "الذي كان": أي: ذكرت الذي كان موضع كذا وكذا، أو أرادت بكذا وكذا: الذي كان.

* "يغيرون": من الإغارة.

* "الصرم": - بكسر صاد وسكون راء - كانوا يراعون حق الماء، أو يطمعون في إسلامهم.

* "فهل لكم في الإسلام؟": أي: ميل فيه؛ أي: بعد أنهم يراعونكم ينبغي لكم معرفة حقهم وحق دينهم.

* * *




الخدمات العلمية