الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
19665 8633 - (20178) - (5\16) عن الأسود بن قيس، حدثنا ثعلبة بن عباد العبدي، من أهل البصرة، قال: شهدت يوما خطبة لسمرة بن جندب، فذكر في خطبته حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بينا أنا وغلام من الأنصار نرمي في غرضين لنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كانت الشمس قيد رمحين، أو ثلاثة في عين الناظر، اسودت حتى آضت كأنها تنومة، قال: فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثا، قال: فدفعنا إلى المسجد، فإذا هو بأزز، قال: ووافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الناس، فاستقدم فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتا، ثم ركع كأطول ما ركع بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتا، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتا، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك، فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، قال زهير: حسبته قال: فسلم، فحمد الله، وأثنى عليه، وشهد أنه عبد الله ورسوله، ثم قال: " أيها الناس، أنشدكم بالله إن كنتم تعلمون أني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي لما أخبرتموني ذاك، فبلغت رسالات ربي كما ينبغي لها أن تبلغ، وإن كنتم تعلمون أني بلغت رسالات ربي لما أخبرتموني ذاك " ، قال: فقام رجال، فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك، ثم سكتوا، ثم قال: " أما بعد، فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس، وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم عن مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، [ ص: 83 ] وإنهم قد كذبوا، ولكنها آيات من آيات الله يعتبر بها عباده، فينظر من يحدث له منهم توبة، وايم الله، لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقون في أمر دنياكم وآخرتكم، وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الدجال، ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي تحيى، لشيخ حينئذ من الأنصار بينه وبين حجرة عائشة، وإنه متى يخرج، أو قال: متى ما يخرج، فإنه سوف يزعم أنه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه، لم ينفعه صالح من عمله سلف، ومن كفر به وكذبه لم يعاقب بشيء من عمله، وقال حسن الأشيب: بسيئ من عمله سلف، وإنه سيظهر، أو قال: سوف يظهر، على الأرض كلها، إلا الحرم، وبيت المقدس، وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس، فيزلزلون زلزالا شديدا، ثم يهلكه الله وجنوده، حتى إن جذم الحائط، أو قال: أصل الحائط، وقال حسن الأشيب: وأصل الشجرة، لينادي، أو قال: يقول: يا مؤمن، أو قال: يا مسلم، هذا يهودي، أو قال: هذا كافر، تعال فاقتله "، قال: " ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتساءلون بينكم هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا، وحتى تزول جبال على مراتبها، ثم على أثر ذلك القبض "، قال: ثم شهدت خطبة لسمرة ذكر فيها هذا الحديث، فما قدم كلمة، ولا أخرها عن موضعها.

التالي السابق


* قوله : "في غرضين": - بفتح معجمة ومهملة - أي: هدفين.

* "قيد رمحين": - بكسر القاف - أي: قدرهما.

* "آضت": - بالمد - أي: رجعت وصارت.

* "تنومة": - بفتح مثناة من فوق وتشديد نون - : نبت لونه يضرب إلى السواد.

[ ص: 84 ]

* "ليحدثن": من الإحداث - بالنون الثقيلة - و"شأن هذه الشمس" مرفوع بالفاعلية.

* "فدفعنا": على بناء المفعول - أي: أسرعنا إليه حتى كأن دافعا دفعنا.

* "بأزز": - بباء الجر وهمزة مفتوحة وزايين معجمتين أولاهما مفتوحة - أي: بجمع كثير، وقد جاء في "أبي داود" - بتقديم الراء المهملة على الزاي المعجمة - من البروز؛ أي: ظاهر للناس، قيل: وهو تصحيف.

* "قط": أي: أبدا، فلذلك استعمل في الإثبات، وإلا فهو عندهم لا يستعمل إلا في النفي، والحديث يدل على أنه ركع ركوعا واحدا .

* "إن كنتم": كلمة "إن" نافية، وكلمة "لما" - بالتشديد - بمعنى "إلا" للاستثناء.

* "فينظر": أي: الله تعالى، قال تعالى: لننظر كيف تعملون [يونس: 14].

* "من يحدث": من الحدوث، ورفع "توبة" أو الإحداث ونصب "توبة".

* "لاقون": من اللقاء.

* أبي تحيا": ضبط: - بكسر المثناة الفوقية وسكون الحاء المهملة - .

* "صالح من عمله سلف": حمله: سلف صالح، و"من" بيانية؛ أي: صالح سلف من عمله.

* "إلا الحرم": يشمل حرم مكة والمدينة.

* "جذم الحائط": - بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة - أي: أصله.

* "يتفاقم": أي: يتعاظم.

[ ص: 85 ]

* "تساءلون": - بتشديد السين - أي: تتساءلون.

* "القبض": أي: قبض أرواح المؤمنين بالريح، أو قبض أرواح العالم بالنفخ في الصور.

* * *




الخدمات العلمية