الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1969 1133 - (1968) - (1 \ 224) عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله - عز وجل - من هذه الأيام" - يعني : أيام العشر - ، قال : قالوا : يا رسول الله ! ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : "ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء " .

التالي السابق


* قوله : "ما من أيام " : كلمة "من " زائدة لاستغراق النفي ، وجملة "العمل الصالح" صفة أيام ، والخبر محذوف ; أي : موجودة ، أو خبر ، وهو الأوجه .

* "من هذه الأيام " : متعلقة بـ"أحب " ، والمعنى على تقدير المضاف ; أي : من عمل هذه الأيام ; ليكون المفضل والمفضل عليه من جنس واحد .

* "إلا رجلا " : أي : جهاد رجل ، وفي بعض النسخ - مرفوع - ، والوجهان جائزان ، والرفع أرجح ; كما في قوله تعالى : ما فعلوه إلا قليل [النساء : 66] .

ثم المتبادر من هذا الكلام عرفا أن كل عمل صالح إذا وقع في هذه الأيام ،

[ ص: 311 ] فهو أحب إلى الله
- تعالى - من نفسه إذا وقع في غيرها ، وهذا من باب تفضيل الشيء على نفسه باعتبارين ، وهو شائع ، وأصل اللغة في مثل هذا الكلام لا يفيد الأحبية ، بل يكفي فيه المساواة ; لأن نفي الأحبية يصدق مع المساواة ، وهذا واضح ، وعلى الوجهين لا يظهر لاستبعادهم المذكور بلفظ : "ولا الجهاد" وجه ; إذ لا يستبعد أن يكون الجهاد في هذه الأيام أحب منه في غيرها ، أو مساويا للجهاد في غيرها ، نعم لو كان المراد أن العمل الصالح في هذه الأيام مطلقا ، أي عمل كان ، حتى إن أدنى الأعمال في هذه الأيام أحب من أعظم الأعمال في غيرها ، لكان الاستبعاد موجها ، لكن كون ذاك مرادا ، بعيد لفظا ومعنى ، فلعل وجه استبعادهم أن الجهاد في هذه الأيام يخل بالحج ، فينبغي أن يكون الجهاد في غيرها أحب منه فيها ، وحينئذ قوله صلى الله عليه وسلم : "إلا رجلا" بيان لفخامة جهاده ، وتعظيم له بأنه قد بلغ مبلغا كما يكاد يتفاوت بشرف الزمان وعدمه ، والله - تعالى - أعلم .

* * *




الخدمات العلمية