الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6467 2952 - (6503) - (2 \ 161) عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، قال: انتهيت إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو جالس في ظل الكعبة، فسمعته يقول: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، إذ نزل منزلا، فمنا من يضرب خباءه، ومنا من هو في جشره ، ومنا من ينتضل، إذ نادى مناديه: الصلاة جامعة، قال: فاجتمعنا، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطبنا، فقال: " إنه لم يكن نبي قبلي إلا دل أمته على ما يعلمه خيرا لهم، وحذرهم ما يعلمه شرا لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها، وإن آخرها سيصيبهم بلاء شديد، وأمور تنكرونها، [ ص: 304 ] تجيء فتن يرقق بعضها لبعض، تجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، ثم تجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه، ثم تنكشف، فمن سره منكم أن يزحزح عن النار، وأن يدخل الجنة، فلتدركه موتته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر " قال: فأدخلت رأسي من بين الناس، فقلت: أنشدك بالله، آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأشار بيده إلى أذنيه، فقال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي، قال: فقلت: هذا ابن عمك معاوية، يعني، يأمرنا بأكل أموالنا بيننا بالباطل، وأن نقتل أنفسنا، وقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء: 29] قال: فجمع يديه، فوضعهما على جبهته، ثم نكس هنية، ثم رفع رأسه، فقال: " أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله عز وجل ".

التالي السابق


* قوله: "من يضرب خباءه": - بكسر خاء معجمة ومد - وهو أحد بيوت العرب من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، ويكون على عمودين أو ثلاثة.

* "في جشره": - بفتحتين - : هي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها.

قلت: كذا ذكره النووي، وهو المشهور رواية، ولا يخفى أن الظاهر حينئذ تقدير المضاف؛ أي: في جمع الجشر وإخراجها إلى المرعى.

وفي "القاموس": الجشر؛ أي: - بفتح فسكون - : إخراج الدواب إلى الرعي، وبالتحريك - : المال الذي يرعى في مكانه، لا يرجع إلى أهله بالليل، انتهى.

فلو جعل هاهنا بالسكون كان أقرب، لكن المشهور رواية التحريك، والله تعالى أعلم.

[ ص: 305 ] * "ينتضل": من انتضل القوم: إذا رموا للسبق.

* "الصلاة جامعة": بنصب "الصلاة" على الإغراء، ونصب "جامعة" على الحال، هذا هو المشهور، ويجوز رفعهما.

* "إلا دل أمته": أي: أرشدهم.

* "في أولها": أي: بعد انتظام أمرها، وإلا فقبل انتظام الأمر قد قاسى الأول ما لا يخفى.

* "يرقق": - براء وقافين - من الترقيق؛ أي: يزين بعضها بعضا، أو يجعل بعضها بعضا رقيقا خفيفا، وجاء - بدال مهملة - موضع الراء؛ أي: يجعل بعضها بعضا دقيقا.

والحاصل: أن المتأخرة من الفتن أعظم من المتقدمة، فتصير المتقدمة عندها دقيقة رقيقة.

وجاء - براء ساكنة ففاء مضمومة - من الرفق؛ أي: يرفق بعضها بعض، أو يجيء بعضها عقب بعض، أو في وقته.

وجاء - بدال مهملة ساكنة ففاء مكسورة - أي: تدفع وتصب.

* "مهلكتي": - يمكن فتح الميم وضمها - أي: محل هلاكي أو تهلكني.

* "أن يزحزح": على بناء المفعول؛ أي: يبعد.

* "وليأت إلى الناس" : أي: ليؤد إليهم، ويفعل بهم ما يحب أن يفعل به.

* "يأمرنا إلخ": قال النووي: يريد: أن هذا الوصف موجود فى معاوية؛ لمنازعته عليا - رضي الله تعالى عنهما - وقد سبقت البيعة معه، فرأى أن نفقة معاوية على أجناده في حرب علي من باب أكل المال بالباطل، ومن باب قتل النفس.

[ ص: 306 ] * "أطعه. . . إلخ": قال النووي: فيه دليل لوجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد.

* * *




الخدمات العلمية