الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المكتبة الإسلامية

الرئيسية
المكتبة الإسلامية

فهرس الكتاب

- ترجمة الإمام أحمد بن حنبل

- أحوال المسند

مسند العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم

مسانيد أهل البيت

مسانيد المكثرين

مسانيد المقلين

مسند البصريين

مسند الأنصار

تتمة مسانيد المقلين

حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل

السندي - أبو الحسن نور الدين محمد بن عبد الهادي السندي

صفحة

جزء

6513 [ ص: 329 ] 2991 - (6549) - (2 \ 166) عن شعيب بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه، قال: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط، ولا يطأ عقبه رجلان " قال عفان: " عقبيه ".

التالي السابق

الشرح

* قَوْلُهُ: "يَأْكُلُ مُتَّكِئًا": قِيلَ: الِاتِّكَاءُ: أَنْ يَتَمَكَّنَ فِي الْجُلُوسِ مُتَرَبِّعًا، أَوْ يَسْتَوِيَ قَاعِدًا عَلَى وِطَاءٍ، أَوْ يُسْنِدَ ظَهْرَهُ إِلَى شَيْءٍ، أَوْ يَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَكُلُّ ذَلِكَ خِلَافُ الْأَدَبِ الْمَطْلُوبِ حَالَ الْأَكْلِ، وَبَعْضُهُ فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ مِنَ الطَّعَامِ.

قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاتِّكَاءِ الْمَيْلَ وَالِاعْتِمَادَ عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ؛ كَمَا يَحْسَبُهُ الْعَامَّةُ، وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْهِ النَّهْيَ عَنْهُ تَأَوَّلَ عَلَى مَذْهَبِ الطِّبِّ، فَإِنَّهُ لَا يَنْحَدِرُ فِي مَجَارِي الطَّعَامِ سَهْلًا، وَلَا يُسِيغُهُ هَنِيئًا، وَرُبَّمَا يَتَأَذَّى بِهِ.

* "وَلَا يَطَأُ عَقِبَهُ رَجُلَانِ": أَيْ: لَا يَطَأُ الْأَرْضَ خَلْفَهُ فَضْلًا عَنِ الزِّيَادَةِ؛ يَعْنِي: أَنَّهُ مِنْ غَايَةِ التَّوَاضُعِ لَا يَتَقَدَّمُ أَصْحَابَهُ فِي الْمَشْيِ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهُمْ كَمَا جَاءَ، وَيَسُوقَ أَصْحَابَهُ، أَوْ يَمْشِيَ فِيهِمْ.

وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ الْمُلُوكِ وَالْجَبَابِرَةِ فِي الْأَكْلِ وَالْمَشْيِ، وَ"الرَّجُلَانِ": - بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ - هُوَ الْمَشْهُورُ، وَيَحْتَمِلُ - كَسْرُ الرَّاءِ وَسُكُونُ الْجِيمِ - أَيِ: الْقَدَمَانِ، وَالْمَعْنَى: لَا يَمْشِي خَلْفَهُ أَحَدٌ ذُو رِجْلَيْنِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

* * *

* قوله: "يأكل متكئا": قيل: الاتكاء: أن يتمكن في الجلوس متربعا، أو يستوي قاعدا على وطاء، أو يسند ظهره إلى شيء، أو يضع إحدى يديه على الأرض، وكل ذلك خلاف الأدب المطلوب حال الأكل، وبعضه فعل المتكبرين من الطعام.

قال الكرماني: وليس المراد بالاتكاء الميل والاعتماد على أحد جانبيه؛ كما يحسبه العامة، ومن حمل عليه النهي عنه تأول على مذهب الطب، فإنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا، ولا يسيغه هنيئا، وربما يتأذى به.

* "ولا يطأ عقبه رجلان": أي: لا يطأ الأرض خلفه فضلا عن الزيادة؛ يعني: أنه من غاية التواضع لا يتقدم أصحابه في المشي، بل إما أن يمشي خلفهم كما جاء، ويسوق أصحابه، أو يمشي فيهم.

وحاصل الحديث: أنه لم يكن صلى الله عليه وسلم على طريق الملوك والجبابرة في الأكل والمشي، و"الرجلان": - بفتح الراء وضم الجيم - هو المشهور، ويحتمل - كسر الراء وسكون الجيم - أي: القدمان، والمعنى: لا يمشي خلفه أحد ذو رجلين، والله تعالى أعلم.

* * *