الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6538 [ ص: 345 ] 3010 - (6574) - (2 \ 168 - 169) عن عبد الله بن عمرو، قال: بينما نحن نمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بامرأة لا نظن أنه عرفها، فلما توجهنا الطريق، وقف حتى انتهت إليه، فإذا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها، فقال: " ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ " قالت: أتيت أهل هذا البيت، فرحمت إليهم ميتهم وعزيتهم، فقال: " لعلك بلغت معهم الكدى؟ " قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها معهم، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر قال: " لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك".

التالي السابق


* قوله: "إذ بصر بامرأة": - بضم الصاد، والباء للتعدية - مثل: بصرت بما لم يبصروا به [طه: 96].

* "فرحمت": - بالتشديد - أي: رحمت ميتهم، وقلت فيه: رحم الله ميتكم مفضيا ذلك إليهم؛ ليفرحوا به.

* "وعزيتهم": من التعزية؛ أي: أمرتهم بالصبر عليه بنحو: أعظم الله أجركم.

* "الكدى": - بضم ففتح، مقصور - : جمع كدية - بضم فسكون - وهي الأرض الصلبة، أراد: المقابر؛ لأنها كانت في مواضع صلبة.

والحديث يدل على مشروعية التعزية، وعلى جواز خروج النساء لها.

* "حتى يراها جد أبيك": ظاهر السوق يفيد أن المراد: ما رأيت أبدا، كما لم يرها فلان، وأن هذه الغاية من قبيل: حتى يلج الجمل في سم الخياط [الأعراف: 40] ومعلوم أن المعصية غير الشرك لا تؤدي إلى ذلك، فإما أن يحمل على التغليظ في حقها، وإما أن يحمل على أنه علم في حقها أنها لو ارتكبت تلك المعصية، لأفضت بها إلى معصية تكون مؤدية إلى ما ذكر.

والسيوطي - رحمه الله تعالى - مشربه القول بنجاة عبد المطلب، فلذلك قال [ ص: 346 ] في "حاشية النسائي": أقول: لا دلالة في هذا الحديث على ما توهمه المتوهمون؛ لأنه لو مشت امرأة مع جنازة إلى المقابر، لم يكن ذلك كفرا موجبا للخلود في النار كما هو واضح، وغاية ما في ذلك أن يكون من جملة الكبائر التي يعذب صاحبها، ثم آخر أمره إلى الجنة، وأهل السنة يؤولون ما ورد من الحديث في أهل الكبائر من أنهم لا يدخلون الجنة بأن المراد: لا يدخلونها مع السابقين الذين يدخلونها أولا بغير عذاب، فغاية ما يدل عليه الحديث المذكور هو أنها لو بلغت معهم الكدى، لم تر الجنة مع السابقين، بل يتقدم ذلك عذاب أو شدة، أو ما شاء الله تعالى من أنواع المشاق، ثم يؤول أمرها إلى دخول الجنة قطعا، ويكون عبد المطلب كذلك، لا يرى الجنة مع السابقين، بل يتقدم ذلك الامتحان وحده، أو مع مشاق أخر، ويكون معنى الحديث: لم تري الجنة حتى يجيء الوقت الذي يراها فيه عبد المطلب، فترينها حينئذ، فتكون رؤيتك لها متأخرة عن رؤية غيرك من السابقين، هذا مدلول الحديث على قواعد أهل السنة، لا معنى له غير ذلك على قواعدهم، والذي سمعته من شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين المناوي، وقد سئل عن عبد المطلب، فقال: هو من أهل الفترة الذين لم تبلغهم الدعوة، وحكمهم في المذهب معروف، انتهى كلام السيوطي - رحمه الله تعالى - والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية