الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6842 [ ص: 471 ] 3206 - (6881) - (2 \ 201) عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، قال: جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة، فسمعوه وهو يحدث في الآيات: أن أولها خروج الدجال، قال: فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات، فقال عبد الله: لم يقل مروان شيئا، قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة ضحى، فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها " ثم قال عبد الله - وكان يقرأ الكتب - : " وأظن أولاها خروجا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت، واستأذنت في الرجوع، فأذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها، فعلت كما كانت تفعل: أتت تحت العرش فسجدت، واستأذنت في الرجوع، فلم يرد عليها شيء ، ثم تستأذن في الرجوع، فلا يرد عليها شيء، ثم تستأذن فلا يرد عليها شيء، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أنه إن أذن لها في الرجوع، لم تدرك المشرق، قالت: رب، ما أبعد المشرق، من لي بالناس؟ حتى إذا صار الأفق كأنه طوق، استأذنت في الرجوع، فيقال لها: من مكانك فاطلعي، فطلعت على الناس من مغربها "، ثم تلا عبد الله هذه الآية: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [الأنعام: 158].

التالي السابق


* قوله: "لم يقل مروان شيئا": يريد: أن ما قاله باطل لا أصل له، لكن نقل البيهقي عن الحليمي: أن أول الآيات ظهورا الدجال، ثم نزول عيسى، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وذلك لأن الكفار يسلمون في زمان عيسى حتى تكون الدعوة واحدة، ولو كانت الشمس طلعت من مغربها قبل خروج الدجال ونزول عيسى، لم ينفع الكفار إيمانهم أيام عيسى، ولو لم تنفعهم لما صار الدين واحدا، ولذلك أول بعضهم [ ص: 472 ] هذا الحديث بأن الآيات إما أمارات دالة على قرب قيام الساعة، أو على وجودها، ومن الأول الدجال ونحوه، ومن الثاني طلوع الشمس ونحوه، فأولية طلوع الشمس إنما هي بالنسبة إلى القسم الثاني.

وقال ابن كثير: المراد في الحديث: بيان أول الآيات الغير المألوفة، فالدجال وغيره وإن كان قبل ذلك، لكن هو وأمثاله مألوف؛ لكونه بشرا، فأما خروج الدابة على شكل غريب غير مألوف، ومخاطبتها الناس، ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر، فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية؛ كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية.

قلت: لكن قول الحليمي: "ولو كانت الشمس طلعت من مغربها قبل خروج الدجال لم ينفع الكفار إيمانهم. . . إلخ" مبني على أن الإيمان لا ينفع من بعد طلوع الشمس إلى قيام الساعة، وفيه: أنه يمكن أن يقال: إنه لا ينفع من علم به بالمشاهدة، أو بالتواتر، وينفع بعد ذلك من عدم فيه أحدهما، فقد قال تعالى: يوم يأتي بعض آيات ربك [الأنعام: 158] الآية فليتأمل.

ثم رأيت بعض من صنف في البعث والنشور [قال: إن كان في علم الله أن طلوع الشمس سابق، احتمل أن يكون المراد بقوله: لا ينفع نفسا إيمانها [الأنعام: 158] أنفس القرن الذين شاهدوا تلك الآية العظيمة، فإذا مضى ذلك القرن، وتطاول الزمان، وعاد الناس إلى ما كانوا عليه من الأديان، عاد تكليف الإيمان بالغيب، انتهى.

* "فأيتهما": قيل: تأنيث "أي" غير فصيح.

* "وكان يقرأ الكتب": الجملة حال، ومقول القول جملة: "وأظن" [ ص: 473 ] والمقصود: أنه قال ذلك على بناء علمه بالكتب المتقدمة.

* "من لي بالناس؟": أي: من يضمن لي بقضاء حاجات الناس التي كنت أقضيها؟ تريد: حاجة الناس إليها.

* "طوق": كأن المراد: أن الناس ينظرون إلى الأفق على عادتهم، فيجدونه كالطوق حول السماء، ما فيه شعاع يظهر قرب طلوع الشمس، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية