الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
27904 4531 - (9344) - (2\412) عن أبي هريرة، قال: لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير [البقرة: 284]، فاشتد ذلك على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جثوا على الركب، فقالوا: يا رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل عليك هذه الآية، ولا نطيقها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا

[ ص: 211 ]

وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير"، فقالوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير.

فلما أقر بها القوم، وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله - عز وجل - في أثرها: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير [ البقرة: 285]، فلما فعلوا ذلك، نسخها الله عز وجل قال عفان: قرأها سلام أبو المنذر: يفرق فأنزل الله عز وجل: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت [ البقرة: 286]، فصار له ما كسب من خير، وعليه ما اكتسب من شر، فسر العلاء هذا: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال: نعم، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال: نعم، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به قال: نعم، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين [ البقرة: 287 ].

التالي السابق


* قوله : "فاشتد ذلك"؛ أي: ثقل عليهم؛ لأن ظاهره المؤاخذة بخطرات النفس التي ليست بيد الإنسان.

* "ثم جثوا": بركوا؛ إظهارا لشدة الأمر عليهم.

* "وذلت بها أنفسهم"؛ أي: بالقراءة بها؛ لما ألقى الله في قلوبهم من الطمأنينة والتسليم والرضا، وأزال عنهم ما كانوا يجدونه من الكراهية الطبعية.

* "أنزل الله - عز وجل - : آمن الرسول [البقرة: 285] . . إلخ": مدحا على حسن صنيعهم، أو أمرا لهم بذلك، ويؤيد الثاني قوله: "فلما فعلوا ذلك"، وعلى الأول، فمعنى فعلوا: استمروا على فعلهم ذلك.

* "نسخها"؛ أي: نسخ قوله: وإن تبدوا ما في أنفسكم . . . إلخ [البقرة:

284]، والمراد أنه نسخ ما كان يظهر لهم ببيان أن المراد ما كان في طاقة الإنسان، لا ما لا طاقة له به، وحمل بعضهم النسخ على حقيقته، وفي تحقيقه كلام ذكره

[ ص: 212 ]

النووي في "شرح مسلم" في كتاب: الإيمان، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية