الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
10301 4705 - (10679) - (2\515) عن مجاهد، أن أبا هريرة، كان يقول: والله إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل، ما سألته إلا ليستتبعني، فلم يفعل، فمر عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليستتبعني، فلم يفعل، فمر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فعرف ما في وجهي، وما في نفسي، فقال: " أبا هر " فقلت له: لبيك يا رسول الله. فقال: " الحق ".

[ ص: 297 ]

واستأذنت فأذن لي، فوجدت لبنا في قدح، فقال: " من أين لكم هذا اللبن؟ " فقالوا: أهداه لنا فلان أو آل فلان. قال: " أبا هر " قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "
انطلق إلى أهل الصفة، فادعهم لي " قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لم يأووا إلى أهل، ولا مال، إذا جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، أصاب منها وبعث إليهم منها، وإذا جاءته الصدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها.

أحزنني ذلك وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي. فقلت: أنا الرسول، فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم، فقلت: ما يبقى لي من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فانطلقت فدعوتهم، فأقبلوا، فاستأذنوا، فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت، ثم قال: " أبا هر خذ فأعطهم ". فأخذت القدح، فجعلت أعطيهم، فيأخذ الرجل القدح، فيشرب حتى يروى، ثم يرد القدح، وأعطيه الآخر، فيشرب حتى يروى، ثم يرد القدح، حتى أتيت على آخرهم، ودفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ القدح، فوضعه في يده، وبقي فيه فضلة، ثم رفع رأسه، فنظر إلي وتبسم، فقال: " أبا هر " قلت: لبيك يا رسول الله. قال: " بقيت أنا وأنت " فقلت: صدقت يا رسول الله. قال: " فاقعد فاشرب " قال: فقعدت فشربت، ثم قال لي: " اشرب " فشربت، ثم قال لي: " اشرب " فشربت، فما زال يقول لي: " اشرب " فأشرب، حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد لها في مسلكا. قال: " ناولني القدح " فرددت إليه القدح، فشرب من الفضلة.


التالي السابق


* قوله : "والله إن كنت": هي مخففة من الثقيلة.

* "لأعتمد بكبدي"؛ أي: لاصق بطني بالأرض.

"من الجوع"؛ أي: لأجله.

* "لأشد الحجر"؛ أي: أربطه؛ لتقليل حرارة الجوع ببرد الحجر، أو ليعين

[ ص: 298 ]

على الاعتدال والانتصاب؛ فإن خلو المعدة يمنع الانتصاب، إلا إذا ربط عليها شيء بعصابة مثلا.

* "على طريقهم "؛ أي: طريق الناس.

* "يخرجون منه"؛ أي: إلى المساجد.

* "إلا ليستتبعني"؛ أي: ليطلب مني أن أتبعه إلى بيته لعله يطعمني شيئا، وقد جاء في بعض روايات البخاري: "ليشبعني"؛ من الإشباع.

* "أبا هر!": بحذف أداة النداء، وفي "هر" رد للمؤنث إلى المذكر، وللمصغر إلى المكبر.

* "الحق": بفتح الحاء؛ أي: اتبع.

* "أضياف الإسلام"؛ أي: أضياف أهل الإسلام.

* "لا يأوون"؛ أي: لا يرجعون.

* "إلى أهل"؛ أي: ليس لهم أهل يرجعون من المسجد إليهم يأكلون من عندهم، وكذا ليس لهم مال يرجعون إليه.

* "وأحزنني"؛ أي: أوقعني ذلك في الحزن.

* "فقلت "؛ أي: في نفسي.

* "فأخذوا مجالسهم"؛ أي: جلس كل واحد منهم في المجلس الذي يليق به.

* "حتى يروى": بفتح الواو.

* "ما أجد لها"؛ أي: للفضلة أو البقية أو الشربة.

* "فشرب من الفضلة": في رواية البخاري: "وشرب الفضلة"، وقال

[ ص: 299 ]

القسطلاني: وفي رواية روح: "فشرب من الفضلة"، وفيها كما قال في "الفتح" إشعار بأنه بقي بعد شربه شيء، فإن كانت محفوظة، فلعله أعدها لمن بقي بالبيت من أهله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية