الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
10791 4888 - (11175) - (3\23) عن أبي سعيد، أن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: إنا حي من ربيعة، وبيننا وبينك كفار مضر، ولسنا نستطيع أن نأتيك إلا في أشهر الحرم، فمرنا بأمر إذا نحن أخذنا به دخلنا الجنة، ونأمر به - أو ندعو - من وراءنا، فقال: "آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا - فهذا ليس من الأربع - ، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا رمضان، وأعطوا من الغنائم الخمس، وأنهاكم عن أربع: عن الدباء والنقير والحنتم والمزفت". قالوا: وما علمك بالنقير؟ قال: "جذع ينقر، ثم

[ ص: 423 ]

يلقون فيه من القطيعاء - أو التمر - والماء، حتى إذا سكن غليانه، شربتموه، حتى إن أحدكم ليضرب ابن عمه بالسيف"، وفي القوم رجل أصابته جراحة من ذلك، فجعلت أخبؤها حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فما تأمرنا أن نشرب؟ قال: "في الأسقية التي يلاث على أفواهها"، قالوا: إن أرضنا أرض كثيرة الجرذان لا تبقي فيها أسقية الأدم. قال: "وإن أكلته الجرذان " مرتين أو ثلاثا. وقال لأشج عبد القيس: " إن فيك خلتين يحبهما الله - عز وجل - : الحلم والأناة".


التالي السابق


* قوله: " إنا حي": قبيلة.

* "ونأمر به": عطف على جملة: "إذا نحن أخذنا به".

* "آمركم بأربع"؛ أي: بعد التوحيد والإيمان، ثم في التفصيل بدأ بالتوحيد؛ لكونه الأصل، ثم ذكر الأربع.

* "فهذا ليس من الأربع": يحتمل أن يكون مرفوعا، أو موقوفا على الصحابي، أو على بعض من بعده، وبالجملة: فهذه الرواية تدفع الإيراد المشهور في روايات هذا الحديث؛ بأن التفصيل فيه مخالف للإجمال؛ حيث ذكر أربعا، وعد خمسا، ثم إنه ما ذكر الحج، ولعل هذا كان قبل افتراضه.

* "قالوا: ما علمك. . . إلخ": لعلهم قالوا ذلك لعدم استعمال النقير والمزفت.

* "جذع": بكسر جيم فسكون معجمة؛ أي: ساق النخلة.

* "القطيعاء": بضم قاف وفتح مهملة: نوع من التمر صغار.

* "ابن عمه بالسيف"؛ قال النووي: معناه إذا شرب هذا الشراب، سكر،

فلم يبق له عقل، وهاج به الشر، فيضرب ابن عمه الذي هو عنده من أحب

[ ص: 424 ]

أحبابه، وهذه مفسدة عظيمة، ونبه بها على ما سواها من المفاسد.

* "جراحة": بكسر الجيم.

* "فجعلت": من كلام ذلك الرجل ذكر حكاية عنه.

قال النووي: اسم هذا الرجل جهم، والجراحة في ساقه.

* "يلاث": بضم مثناة من تحت، وتخفيف لام، آخره مثلثة؛ أي: يلف الخيط على أفواهها، وتربط به.

* "الجرذان": بكسر جيم وسكون ذال معجمة؛ نوع من الفأر.

* "الأدم": بفتحتين: جمع أديم، وهو الجلد الذي تم دباغه.

* "لأشج عبد القيس"؛ اسمه المنذر بن عائذ على الصحيح.

* "خلتين": بفتح خاء معجمة وتشديد لام؛ أي: خصلتين.

* "الحلم": العقل.

* "والأناة": بفتح همزة ونون، مقصور: التثبت وترك العجلة.

قيل: سبب ذلك أن الوفد لما وصلوا إلى المدينة، بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام الأشج عند رحالهم، فجمعها، وعقل ناقته، ولبس أحسن ثيابه، ثم أقبل، فقربه النبي صلى الله عليه وسلم، وأجلسه إلى جانبه، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "تبايعون على أنفسكم وقومكم"، فقال القوم: نعم، قال الأشج: يا رسول الله! إنك لم تزاول الرجل عن شيء أشد عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا، ونرسل إليهم من يدعوهم، فمن اتبعنا، كان منا، ومن أبى، قاتلناه، قال: "صدقت، إن فيك خصلتين. . " الحديث.

[ ص: 425 ]

قال القاضي: الأناة: تربصه حتى نظر في مصالحه، ولم يعجل، والحلم: هذا القول الدال على صحة عقله، وجودة نظره للعواقب.

* * *




الخدمات العلمية