الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        2300 - وقد روي عنه أيضا في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : أنا ابن أبي الزناد ، قال : ثنا علقمة بن أبي علقمة عن أمه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أحب أن أدخل البيت ، فأصلي فيه ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر وقال : إن قومك لما بنوا الكعبة ، اقتصروا في بنائها فأخرجوا الحجر من البيت ، فإذا أردت أن تصلي في البيت ، فصل في الحجر ، فإنما هو قطعة منه .

                                                        [ ص: 393 ] فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاز الصلاة في الحجر الذي هو من البيت . فقد ثبت بما ذكرنا ، تصحيح قول من ذهب إلى إجازة الصلاة في البيت . فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار . وأما حكمه من طريق النظر فإن الذين ينهون عن الصلاة فيه إنما نهوا عن ذلك لأن البيت كله عندهم قبلة ، قالوا : فمن صلى فيه فقد استدبر بعضه ، فهو كمستدبر بعض القبلة ، فلا تجزيه صلاته .

                                                        فكان من الحجة عليهم في ذلك ، أنا رأينا من استدبر القبلة ، وولاها يمينه أو شماله أن ذلك كله سواء ، وأن صلاته لا تجزيه . وكان من صلى مستقبل جهة من جهات البيت أجزأته الصلاة باتفاقهم ، وليس هو في ذلك مستقبل جهات البيت كلها ، لأن ما عن يمين ما استقبل من البيت ، وما عن يساره ليس هو مستقبله وكما كان لم يتعبد باستقبال كل جهات البيت في صلاته ، وإنما تعبد باستقبال جهة من جهاته ، فلا يضره ترك استقبال ما بقي من جهاته بعدها .

                                                        كان النظر على ذلك أن من صلى فيه ، فقد استقبل إحدى جهاته ، واستدبر غيرها . فما استدبر من ذلك فهو في حكم ما كان عن يمين ما استقبل من جهات البيت وعن يساره إذا كان خارجا منه . فثبت بذلك أيضا قول الذين أجازوا الصلاة في البيت وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، ومحمد رحمهم الله تعالى . وقد روي ذلك أيضا عن عبد الله بن الزبير .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية