الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        4653 - حدثنا أحمد بن داود قال : ثنا عبد الرحمن بن صالح قال : حدثني يونس بن بكير ، عن الوليد ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة قال : خرجت أنا وأبي حسيل ونحن نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر نحوه .

                                                        قالوا : فلما منعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من حضور بدر لاستحلاف المشركين القاهرين لهما على ما استحلفوهما عليه ثبت بذلك أن الحلف على الطواعية والإكراه سواء ، وكذلك الطلاق والعتاق .

                                                        وهذا أولى ما فعل في الآثار إذا وقف على معاني بعضها أن يحمل ما بقي منها على ما لا يخالف ذلك المعنى متى ما قدر على ذلك حتى لا تضاد .

                                                        فثبت بما ذكرنا أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الشرك وحديث حذيفة رضي الله عنه في الطلاق والأيمان وما أشبه ذلك .

                                                        وأما حكم ذلك من طريق النظر فإن فعل الرجل مكرها لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون المكره على ذلك الفعل إذا فعله مكرها في حكم من لم يفعله فلا يجب عليه شيء ، أو يكون في حكم من فعله فيجب عليه ما يجب عليه لو فعله غير مستكره .

                                                        فنظرنا في ذلك ، فرأيناهم لا يختلفون في المرأة إذا أكرهها زوجها وهي صائمة في شهر رمضان أو حاجة فجامعها أن حجها يبطل وكذلك صومها ، ولم يراعوا في ذلك الاستكراه فيفرقوا بينه وبين الطواعية ، ولا جعلت المرأة فيه في حكم من لم يفعل شيئا ؛ بل قد جعلت في حكم من قد فعل فعلا يجب عليه الحكم ورفع عنها الإثم في ذلك خاصة .

                                                        وكذلك لو أن رجلا أكره رجلا على جماع امرأة اضطرت إلى ذلك كان المهر في النظر على المجامع لا على المكره ، ولا يرجع به المجامع على المكره ؛ لأن المكره لم يجامع ، فيجب عليه بجماعه مهر ، وما يجب في ذلك الجماع فهو على المجامع لا على غيره .

                                                        فلما ثبت في هذه الأشياء أن المكره عليها محكوم عليه بحكم الفاعل كذلك في الطواعية فيوجبون عليه فيها من الأموال ما يجب على الفاعل لها في الطواعية ثبت أنه كذلك المطلق والمعتق والمراجع في الاستكراه يحكم عليه بحكم الفاعل فيلزم أفعاله كلها .

                                                        [ ص: 98 ] فإن قال قائل : فلم لا أجزت بيعه وإجارته ؟

                                                        قيل له : إنا قد رأينا البيوع والإجارات قد ترد بالعيوب وبخيار الرؤية وبخيار الشرط ، وليس النكاح كذلك ولا الطلاق ولا المراجعة ولا العتق .

                                                        فما كان قد تنقض بالخيار للشروط فيه وبالأسباب التي في أصله من عدم الرؤية والرد بالعيوب نقض بالإكراه ، وما لا يجب نقضه بشيء بعد ثبوته لم ينقض بإكراه ولا بغيره .

                                                        وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله .

                                                        وقد رأينا مثل هذا قد جاءت به السنة .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية