الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        4844 - حدثنا روح بن الفرج ، قال : ثنا يوسف بن عدي ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن أبي جميلة ، عن علي قال : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمة لهم فجرت ، فأرسلني إليها ، فقال : اذهب ، فأقم عليها الحد .

                                                        فانطلقت فوجدتها لم تجف من دمها ، فرجعت إليه ، فقال لي : فرغت ؟ فقلت : وجدتها لم تجف من دمها .

                                                        فقال : إذا هي جفت من دمها فاجلدها .

                                                        قال علي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم
                                                        .

                                                        [ ص: 137 ] قالوا : فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمة إذا زنت أن تجلد ، ولم يأمر مع الجلد بنفي ، وقد قال الله عز وجل : فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، فعلمنا بذلك أن ما يجب على الإماء - إذا زنين - هو نصف ما يجب على الحرائر إذا زنين .

                                                        ثم ثبت أن لا نفي على الأمة إذا زنت ، كان كذلك أيضا أن لا نفي على الحرة إذا زنت .

                                                        وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تقدم من كتابنا هذا ، أنه نهى أن تسافر امرأة ثلاثة أيام إلا مع محرم ، فذلك دليل أيضا أن لا تسافر المرأة ثلاثة أيام في حد الزنا بغير محرم ، وفي ذلك إبطال النفي عن النساء في الزنا ، فإذا انتفى أن يكون يجب على النساء اللاتي غير المحصنات نفي في الزنا انتفى ذلك أيضا عن الرجال .

                                                        وكان درء النبي صلى الله عليه وسلم إياه عن الإماء فيما ذكرنا ، كان درءا عن الحرائر ، وفي درئه إياه عن الحرائر دليل على درئه إياه عن الأحرار .

                                                        وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين .

                                                        فإن قال قائل : فإن نفي الأمة إذا زنت ستة أشهر مثل ما تنفى الحرة ؟ وقال : لم ينف النبي صلى الله عليه وسلم النفي فيما ذكرتموه عنه من جلد الأمة إذا زنت ، ولا بقوله : ثم بيعوها في المرة الرابعة .

                                                        فكان هذا القائل يخالف كل من تقدمه من أهل العلم ، وخرج من أقاويلهم .

                                                        فيقال له : بل فيما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ، ثم قال في الرابعة : ( فليبعها ) ، دليل على أن لا نفي عليها ؛ لأنه إنما علمهم في ذلك ما يفعلون بإمائهم إذا زنين .

                                                        فمحال أن يكون يقصر في ذلك عن جميع ما يجب عليهن ، ومحال أن يأمر ببيع من لا يقدر مبتاعه على قبضه من بائعه ، ولا تصل إلى ذلك إلا بعد مضي ستة أشهر .

                                                        ويقال له أيضا : قد زعمت أنت أن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لأنيس ) رضي الله عنه : اغد على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها ، دليل على أن لا جلد عليها مع ذلك ، وإن كان إبطال الجلد لم يذكر في هذا الحديث ، وجعلت ذلك معارضا لما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : الثيب بالثيب جلد مائة والرجم .

                                                        فإذا كان هذا عندك دليلا على ما ذكرنا فما تنكر على خصمك أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ) عنده دليلا على إبطال النفي على الأمة .

                                                        فإذا كان ما ذكرنا في السكوت عن نفي الأمة ليس يرفع النفي عنها فيما ذكرت أنت أيضا في السكوت عن الجلد مع الرجم لا يرفع الجلد عن الثيب الزاني مع الرجم .

                                                        وما يلزم خصمك في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ) شيء إلا لزمك مثله في قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لأنيس ) رضي الله عنه : فإن اعترفت فارجمها .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية