الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5454 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : ثنا القاسم بن سلام بن مسكين ، قال : حدثني أبي ، قال : ثنا ثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين سار إلى مكة ليستفتحها - فسرح أبا عبيدة بن الجراح ، والزبير بن العوام ، وخالد بن الوليد رضي الله عنهم .

                                                        فلما بعثهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه : اهتف بالأنصار ، فنادى : يا معشر الأنصار ، أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءوا كما كانوا على معتاد .

                                                        ثم قال : اسلكوا هذا الطريق ، ولا يشرفن أحد إلا . أي : قتلتموه .

                                                        وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح الله عليهم من قتل يومئذ الأربعة .

                                                        قال : ثم دخل صناديد قريش من المشركين الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم ، ثم طاف وصلى ركعتين ، ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب ، فقال : ما تقولون وما تظنون ؟

                                                        فقالوا : نقول : أخ وابن عم حليم رحيم .

                                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقول كما قال يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .

                                                        [ ص: 326 ] قال : فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام .

                                                        فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يلي الصفا ، فخطب والأنصار أسفل منه .

                                                        فقالت الأنصار بعضهم لبعض : أما إن الرجل أخذته الرأفة بقومه وأدركته الرغبة في قرابته .

                                                        قال : فأنزل الله عز وجل عليه الوحي ، فقال : يا معشر الأنصار ، أقلتم : أخذته الرأفة بقومه وأدركته الرغبة في قرابته ، فما نبي أنا إذا ، كلا والله إني رسول الله حقا ، إن المحيا لمحياكم ، وإن الممات لمماتكم .

                                                        قالوا : والله يا رسول الله ما قلنا إلا مخافة أن تفارقنا إلا ضنا بك .

                                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم صادقون عند الله ورسوله .

                                                        قال : فوالله ما بقي منهم رجل إلا نكس نحره بدموع عينيه
                                                        .

                                                        أفلا يرى أن قريشا بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قد كانوا يظنون أن السيف لا يرفع عنهم ، أفتراهم كانوا يخافون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أمنهم قبل ذلك ؟ هذا والله غير مخوف منه صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم علموا أن إليه قتلهم إن شاء ، وأن إليه المن عليهم إن شاء ، وأن الله عز وجل قد أظهره عليهم وصيرهم في يده ، يحكم فيهم بما أراد الله تعالى من قبل ، ومن بعد ذلك عليهم وعفا عنهم .

                                                        ثم قال لهم يومئذ : لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية