الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) : وإن جامع يوما فكفر ثم جامع يوما فكفر وكذلك إن لم يكفر فلكل يوم كفارة ; لأن فرض كل يوم غير فرض الماضي .

( قال الشافعي ) : وقال بعض الناس : إن كفر ثم عاد بعد الكفارة كفر ، وإن لم يكفر حتى يعود فكفارة واحدة ورمضان كله واحد .

( قال الشافعي ) : فقيل لقائل هذا القول : ليس في هذا خبر بما قلت والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر رجلا مرة بكفارة ، وفي ذلك ما دل عندنا والله أعلم على أنه لو جامع يوما آخر أمر بكفارة ; لأن كل يوم مفروض عليه فإلى أي شيء ذهبت ؟ قال : ألا ترى أنه لو جامع في الحج مرارا كانت عليه كفارة واحدة ؟ قلنا : وأي شيء الحج من الصوم ؟ الحج شريعة ، والصوم أخرى ، قد يباح في الحج الأكل والشرب ويحرم في الصوم ويباح في الصوم اللبس والصيد والطيب ويحرم في الحج .

( قال الشافعي ) : والحج إحرام واحد ولا يخرج أحد منه إلا بكماله وكل يوم من شهر رمضان كماله بنفسه [ ص: 109 ] ونقصه فيه ، ألا ترى أنه يصوم اليوم من شهر رمضان ثم يفطر وقد كمل اليوم وخرج من صومه ثم يدخل في آخر فلو أفسده لم يفسد الذي قبله والحج متى أفسد عندهم قبل الزوال من يوم عرفة فسد كله ، وإن كان قد مضى كثير من عمله ، مع أن هذا القول خطأ من غير وجه ، الذي يقيسه بالحج يزعم أن المجامع في الحج تختلف أحكامه فيكون عليه شاة قبل عرفة ويفسد حجه ، وبدنة إذا جامع بعد الزوال ولا يفسد حجه .

وهذا عنده في الصوم لا يختلف في أول النهار وآخره إنما عليه رقبة فيهما ويفسد صومه فيفرق بينهما في كل واحدة منهما ويفرق بينهما في الكفارتين ويزعم أنه لو جامع يوما ثم كفر ثم جامع يوما آخر ثم كفر وهو لو كفر عنده في الحج عن الجماع ثم عاد لجماع آخر لم يعد الكفارة ، فإذا قيل له : لم ذلك ؟ قال : الحج واحد وأيام رمضان متفرقة ، قلت : فكيف تقيس أحدهما بالآخر وهو يجامع في الحج فيفسده ثم يكون عليه أن يعمل عمل الحج وهو فاسد وليس هكذا الصوم ولا الصلاة ؟ .

( قال الشافعي ) : فإن قال قائل منهم فأقيسه بالكفارة قلنا : هو من الكفارة أبعد ، الحانث يحنث غير عامد للحنث فيكفر ويحنث عامدا فلا يكفر عندك وأنت إذا جامع عامدا كفر ، وإذا جامع غير عامد لم يكفر فكيف قسته بالكفارة والمكفر لا يفسد عملا يخرج منه ، ولا يعمل بعد الفساد شيئا يقضيه إنما يخرج به عندك من كذبة حلف عليها وهذا يخرج من صوم ويعود في مثل الذي خرج منه .

( قال الشافعي ) : ولو جامع صبية لم تبلغ أو أتى بهيمة فكفارة واحدة ولو جامع بالغة كانت كفارة لا يزاد عليها على الرجل ، وإذا كفر أجزأ عنه وعن امرأته ، وكذلك في الحج والعمرة وبهذا مضت السنة ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل تكفر المرأة وأنه لم يقل في الخبر في الذي جامع في الحج تكفر المرأة .

( قال الشافعي ) : فإن قال قائل : فما بال الحد عليها في الجماع ولا تكون الكفارة عليها ؟ قيل الحد لا يشبه الكفارة ، ألا ترى أن الحد يختلف في الحر والعبد والثيب والبكر ولا يختلف الجماع عامدا في رمضان مع افتراقهما في غير ذلك فإن مذهبنا وما ندعي إذا فرقت الأخبار بين الشيء أن يفرق بينه كما فرقت

التالي السابق


الخدمات العلمية