الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) : ولا يصلح في شيء من المأكول أن يسلم فيه عددا ; لأنه لا صفة له كصفة الحيوان وذرع الثياب والخشب ، ولا يسلف إلا وزنا معلوما أو كيلا معلوما إن صلح أن يكال ، ولا يسلف في جوز ، ولا بيض ، ولا رانج ، ولا غيره عددا لاختلافه وأنه لا حد له يعرف كما يعرف غيره ( قال ) : وأحب إلي أن لا يسلف جزاف من ذهب ، ولا فضة ، ولا طعام ، ولا ثياب ، ولا شيء ، ولا يسلف شيء حتى يكون موصوفا إن كان دينارا فسكته وجودته ووزنه ، وإن كان درهما فكذلك وبأنه وضح أو أسود أو ما يعرف به فإن كان طعاما قلت تمر صيحاني جيد كيله كذا وكذلك إن كانت حنطة ، وإن كان ثوبا قلت مروي طوله كذا وعرضه كذا رقيق صفيق جيد ، وإن كان بعيرا قلت ثنيا مهريا أحمر سبط الخلق جسيما أو مربوعا تصف كل ما أسلفته كما تصف كل ما أسلفت فيه وبعث به عرضا دينا لا يجزئ في رأيي غيره فإن ترك منه شيئا أو ترك في السلف دينا خفت أن لا يجوز وحال ما أسلفته غير حال ما أسلفت فيه وهذا الموضع الذي يخالف فيه السلف بيع الأعيان ألا ترى أنه لا بأس أن يشتري الرجل إبلا قد رآها البائع والمشتري ولم يصفاها بثمر حائط قد بدا صلاحه ورأياها وأن الرؤية منهما في الجزاف وفيما لم يصفاه من الثمرة أو المبيع كالصفة فيما أسلف فيه وأن هذا لا يجوز في السلف أن أقول أسلفك في ثمر نخلة جيدة من خير النخل حملا أو أقله أو أوسطه من قبل أن حمل النخل يختلف من وجهين : أحدهما : من السنين فيكون في سنة أحمل منه في الأخرى من العطش ومن شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل ويكون بعضها مخفا وبعضها موقرا فلما لم أعلم من أهل العلم مخالفا في أنهم يجيزون في بيع الأعيان الجزاف والعين غير موصوفة ; لأن الرؤية أكثر من الصفة ويردونه في السلف ففرقوا بين حكمهما وأجازوا في بيع العين أن يكون إلى غير أجل ولم يجيزوا في بيع السلف المؤجل أن يكون كان والله تعالى أعلم أن يقول كما لا يكون المبيع المؤجل إلا معلوما بما يعلم به مثله من صفة وكيل ووزن وغير ذلك فكذلك ينبغي أن يكون ما ابتيع به معروفا بصفة وكيل ووزن فيكون الثمن معروفا كما كان المبيع معروفا ، ولا يكون السلم مجهول الصفة والوزن في مغيب لم ير فيكون مجهولا بدين .

( قال الشافعي ) : ومن ذهب هذا المذهب ذهب إلى أن السلف إن انتقض عرف المسلف رأس ماله ويكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة ، ولا يكون معلوم الصفة بمعلوم الصفة عينا مجهولا ، ولا يكون معلوم [ ص: 101 ] الصفة عينا .

( قال الشافعي ) : وقد نجد خلاف من قال هذا القول مذهبا محتملا ، وإن كنا قد اخترنا ما وصفنا وذلك أن يقول قائل إن بيع الجزاف إنما جاز إذا عاينه المجازف فكان عيان المجازف مثل الصفة فيما غاب أو أكثر ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يبتاع ثمر حائط جزافا بدين ، ولا يحل أن يكون الدين إلا موصوفا إذا كان غائبا فإن كان الثمر حاضرا جزافا كالموصوف غائبا ؟ ( قال الشافعي ) : ومن قال هذا القول الآخر انبغى أن يجيز السلف جزافا من الدنانير والدراهم وكل شيء ويقول إن انتقض السلف فالقول قول البائع ; لأنه المأخوذ منه مع يمينه كما يشتري الدار بعينها بثمر حائط فينتقض البيع فيكون القول في الثمن قول البائع ومن قال القول الأول في أن لا يجوز في السلف إلا ما كان مقبوضا موصوفا كما يوصف ما سلف فيه غائبا قال ما وصفنا ( قال ) : والقول الأول أحب القولين إلي والله أعلم . وقياس هذا القول الذي اخترت أن لا يسلف مائة دينار في مائة صاع حنطة ومائة صاع تمر موصوفين إلا أن يسمى رأس مال كل واحد منهما ; لأن الصفقة وقعت وليس ثمن كل واحد منهما معروفا .

( قال الشافعي ) : ولو سلف مائتي صاع حنطة مائة بينهما إلى شهر كذا ومائة إلى شهر مسمى بعده لم يجز في هذا القول من قبل أنه لم يسم لكل واحد منهما ثمنا على حدته وأنهما إذا أقيما كانت مائة صاع أقرب أجلا من مائة صاع أبعد أجلا منها أكثر في القيمة وانعقدت الصفقة على مائتي صاع ليست تعرف حصة كل واحد منهما من الثمن .

( قال الشافعي ) : وقد أجازه غيرنا وهو يدخل عليه ما وصفنا وأنه إن جعل كل واحد منهما بقيمة يوم يتبايعان قومه قبل أن يجب على بائعه دفعه وإنما يقوم ما وجب دفعه وهذا لم يجب دفعه فقد انعقدت الصفقة وهو غيره معلوم ( قال ) : ولا يجوز في هذا القول أن تسلف أبدا في شيئين مختلفين ، ولا أكثر إذا سميت رأس مال كل واحد من ذلك الصنف وأجله حتى يكون صفقة جمعت بيوعا مختلفة ( قال ) : فإن فعل فأسلف مائة دينار في مائتي صاع حنطة منهما مائة بستين دينارا إلى كذا وأربعون في مائة صاع تحل في شهر كذا جاز ; لأن هذه وإن كانت صفقة فإنها وقعت على بيعتين معلومتين بثمنين معلومين .

( قال الشافعي ) : وهذا مخالف لبيوع الأعيان في هذا الموضع ولو ابتاع رجل من رجل بمائة دينار مائة صاع حنطة ومائة صاع تمرا ومائة صاع جلجلان ومائة صاع بلسن جاز ، وإن لم يسم لكل صنف منه ثمنه وكان كل صنف منه بقيمته من المائة ، ولا يجوز أن يسلف في كيل فيأخذ بالكيل وزنا ، ولا في وزن فيأخذ بالوزن كيلا ; لأنك تأخذ ما ليس بحقك إما أنقص منه وإما أزيد لاختلاف الكيل والوزن عندما يدخل في المكيال وثقله فمعنى الكيل مخالف في هذا المعنى الوزن .

التالي السابق


الخدمات العلمية