الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) : حيثما زرع النصراني من نصارى العرب ضعف عليه الصدقة كما وصفت وحيثما زرع النصراني الإسرائيلي لم يكن عليه في زرعه شيء وإنما الخراج كراء الأرض كما لو تكارى أرضا من رجل فزرعها أدى الكراء والعشر والنصراني من نصارى العرب إذا زرع الخراج ضعفت عليه العشر وأخذت منه الخراج وإذا قدم المستأمن من أرض الحرب فكان على النصرانية أو المجوسية أو اليهودية فنكح وزرع فلا خراج عليه ويقال له : إن أردت المقام فصالحنا على أن تؤدي الجزية وجزيته على ما صالح عليه وإن أبى الصلح أخرج وإن غفل عنه سنة أو سنين فلا خراج عليه ولا يجب عليه الخراج إلا بصلحه ونمنعه الزرع إلا بأن يؤدي عنه ما صالح عليه وإن غفل حتى يصرمه لم يؤخذ منه شيء وإن كان المستأمن وثنيا لم يترك حتى يقيم في دار الإسلام سنة ولم تؤخذ منه جزية وإن غفل عنه حتى زرع سنة أو أكثر دفع إليه وأخرج وإن كانت المرأة مستأمنة فتزوجت في بلاد الإسلام ثم أرادت الرجوع إلى بلاد الحرب فذلك إلى زوجها إن شاء أن يدعها تركها وإن شاء أن يحبسها حبسناها له بسلطان الزوج على حبس امرأته لا يغير ذلك ومتى طلقها أو مات عنها فلها أن ترجع فإن كان لها منه ولد فليس لها أن تخرج أولاده إلى دار الحرب لأن ذمتهم ذمة أبيهم ولها أن تخرج بنفسها وإذا أبق العبد إلى بلاد العدو ثم ظهر عليهم أو أغار العدو على بلاد الإسلام فسبوا عبيدا وظهر عليهم المسلمون فاقتسموا العبيد أو لم يقتسموا فسادتهم أحق بهم بلا قيمة ولا يكون العدو يملكون على مسلم شيئا إذا لم يملك المسلم بالغلبة فالمشرك الذي هو خول للمسلم إذا قدر عليه أولى أن لا يملك على مسلم ولا يعدو المشركون فيما غلبوا عليه أن يكونوا مالكين لهم كملكهم لأموالهم فإذا كان هذا هكذا ملكوا الحر وأم الولد والمكاتب وما سوى ذلك من الرقيق والأموال ثم لم يكن لسيد واحد من هؤلاء أن [ ص: 302 ] يأخذه قبل القسمة بلا قيمة ولا بعد القسمة بقيمة كما لا يكون له أن يأخذ سائر أموال العدو أو لا يكون ملك العدو ملكا فيكون كل امرئ على أصل ملكه ومن قال : لا يملك العدو الحر ولا المكاتب ولا أم الولد ولا المدبرة وهو يملك ما سواهن فهو يتحكم ثم يزعم أنهم يملكون ملكا محالا فيقول : يملكونه وإن ظهر عليهم المسلمون فأدركه سيده قبل القسم فهو له بلا شيء وإن كان بعد القسم فهو له إن شاء بالقيمة فهؤلاء ملكوه فإن قال قائل : فهل فيما ذكرت حجة لمن قاله ؟ قيل : لا إلا شيء يروى لا يثبت مثله عند أهل الحديث عن عمر رضي الله تعالى عنه فإن قال : فهل لك حجة بأنهم لا يملكون بحال ؟ قلنا : المعقول فيه ما وصفنا وإنما الحجة على من خالفنا ولنا فيه حجة بما لا ينبغي خلافه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة وهو يروى عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه { أن قوما أغاروا فأصابوا امرأة من الأنصار وناقة للنبي صلى الله عليه وسلم فكانت المرأة والناقة عندهم ثم انفلتت المرأة فركبت الناقة فأتت المدينة فعرفت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني نذرت لئن نجاني الله عليها لأنحرنها فمنعوها أن تنحرها حتى يذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال بئسما جزيتها إن نجاك الله عليها ثم تنحريها لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم } وقالا معا أو أحدهما في الحديث وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ( قال الشافعي ) : فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته بعدما أحرزها المشركون وأحرزتها الأنصارية على المشركين ولو كانت الأنصارية أحرزت عليهم شيئا ليس لمالك كان لها في قولنا أربعة أخماسه وخمسه لأهل الخمس وفي قول غيرنا كان لها ما أحرزت لا خمس فيه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تملك ماله وأخذ ماله بلا قيمة أخبرنا الثقة عن مخرمة بن بكير عن أبيه لا أحفظ عمن رواه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال فيما أحرز العدو من أموال المسلمين مما غلبوا عليه أو أبق إليهم ثم أحرزه المسلمون مالكوه أحق به قبل القسم وبعده فإن اقتسم فلصاحبه أخذه من يدي من صار في سهمه وعوض الذي صار في سهمه قيمته من خمس الخمس وهكذا حر إن اقتسم ثم قامت البينة على حريته .

التالي السابق


الخدمات العلمية