الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
جماع تفريع صلاة المسافر .

أخبرنا الربيع قال : قال الشافعي : لا تختلف صلاة المكتوبة في الحضر والسفر إلا في الأذان والوقت [ ص: 209 ] والقصر فأما ما سوى ذلك فهما سواء ما يجهر ، أو يخافت في السفر فيما يجهر فيه ويخافت في الحضر ويكمل في السفر كما يكمل في الحضر فأما التخفيف فإذا جاء بأقل ما عليه في السفر والحضر أجزأه لا أرى أن يخفف في السفر عن صلاة الحضر إلا من عذر ويأتي بما يجزيه والإمامة في السفر والحضر سواء ولا أحب ترك الأذان في السفر وتركه فيه أخف من تركه في الحضر وأختار الاجتماع للصلاة في السفر وإن صلت كل رفقة على حدتها أجزأها ذلك إن شاء الله تعالى وإن اجتمع مسافرون ومقيمون فإمامة المقيمين أحب إلي ولا بأس أن يؤم المسافرون المقيمين .

ولا يقصر الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية التي سافر منها كلها فإذا دخل أدنى بيوت القرية التي يريد المقام بها أتم أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن { أنس بن مالك قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين } أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر أنه سمع أنس بن مالك يقول مثل ذلك إلا أنه قال : بذي الحليفة أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس مثل ذلك قال وفي هذا دليل أن الرجل لا يقصر بنية السفر دون العمل في السفر فلو أن رجلا نوى أن يسافر فلم يثبت به سفره لم يكن له أن يقصر قال ولو أثبت به سفره ، ثم نوى أن يقيم أتم الصلاة ونية المقام مقام ; لأنه مقيم وتجتمع فيه النية وأنه مقيم .

ولا تكون نية السفر سفرا لأن النية تكون منفردة ولا سفر معها إذا كان مقيما والنية لا يكون لها حكم إلا بشيء معها فلو أن رجلا خرج مسافرا يقصر الصلاة افتتح الظهر ينوي أن يجمع بينها وبين العصر ، ثم نوى المقام في الظهر قبل أن ينصرف من ركعتين كان عليه أن يبني حتى يتم أربعا ولم يكن عليه أن يستأنف ; لأنه في فرض الظهر لا في غيرها لأنه كان له أن يقصر إن شاء ولم يحدث نية في المقام وكذلك إذا فرغ من الركعتين ما لم يسلم فإذا سلم ، ثم نوى أن يقيم أتم فيما يستقبل ولم يكن عليه أن يعيد ما مضى ولو كان نوى في صلاة الظهر المقام ، ثم سلم من الركعتين استأنف الظهر أربعا ولو لم ينو المقام فافتتح ينوي أن يقصر ، ثم بدا له أن يتم قبل أن يمضي من صلاته شيء ، أو بعد كان ذلك له ولم تفسد عليه صلاته ; لأنه لم يزد في صلاته شيئا ليس منها إنما ترك القصر الذي كان مباحا له وكان التمام غير محظور عليه ولو صلى مسافر بمسافرين ومقيمين ونوى أن يصلي ركعتين فلم يكمل الصلاة حتى نوى أن يتم الصلاة بغير مقام أو ترك الرخصة في القصر كان على المسافرين والمقيمين التمام ولم تفسد على واحد من الفريقين صلاته وكانوا كمن صلى خلف مقيم ولو فسدت على مسافر منهم صلاته وقد دخل معه كان عليه أن يصلي أربعا وكان كمسافر دخل في صلاة مقيم ففسدت عليه صلاته فعليه أن يصلي أربعا لأنه وجب عليه عدد صلاة مقيم في الصلاة التي دخل معه فيها قال ولو صلى مسافر خلف مسافر ففسدت عليه صلاته فانصرف ليتوضأ فعلم أن المسافر صلى ركعتين لم يكن عليه إلا ركعتان وإن علم أن المسافر صلى أربعا ، أو لم يعلم صلى أربعا ، أو اثنتين صلى أربعا لا يجزيه غير ذلك ولو صلى مسافر خلف رجل لا يعلم مسافر هو ، أو مقيم ركعة ، ثم انصرف الإمام من صلاته ، أو فسدت على المسافر صلاته ، أو انتقض وضوءه كان عليه أن يصلي أربعا لا يجزيه غير ذلك ولو أن مسافرا صلى بمسافرين ومقيمين فرعف فقدم مقيما كان على المسافرين والمقيمين والإمام الراعف أن يصلوا أربعا ; لأنه لم يكمل لواحد من القوم الصلاة حتى كان فيها في صلاة مقيم ولو صلى مسافر بمسافرين ومقيمين ركعتين أتم المقيمون وقصر المسافرون إن شاءوا فإن نووا ، أو واحد منهم أن يصلوا أربعا كانوا كالمقيمين يتمون بالنية .

[ ص: 210 ] وإنما يلزمهم التمام بالنية إذا نووا مع الدخول في الصلاة ، أو بعده وقبل الخروج منها الإتمام فأما من قام من المسافرين إلى الصلاة ينوي أربعا فلم يكبر حتى نوى اثنتين ، أو نوى أربعا بعد تسليمه من اثنتين فليس عليه أن يصلي أربعا ولو أن مسافرا أم مسافرين ومقيمين فكانت نيته اثنتين فصلى أربعا ساهيا فعليه سجود السهو وإن كان معه مقيمون صلوا بصلاته وهم ينوون بها فريضتهم فهي عنهم مجزئة ; لأنه قد كان له أن يتم وتكون صلاتهم خلفه تامة وإن كان من خلفه من المسافرين نووا إتمام الصلاة لأنفسهم فصلاتهم تامة وإن كانوا لم ينووا إتمام الصلاة لأنفسهم إلا بأنهم رأوا أنه أتم لنفسه لا سهوا فصلاتهم مجزئة ; لأنه قد كان لزمهم أن يصلوا أربعا خلف من صلى أربعا وإن كانوا صلوا الركعتين معه على غير شيء من هذه النية وعلى أنه عندهم ساه فاتبعوه ولم يريدوا الإتمام لأنفسهم فعليهم إعادة الصلاة ، ولا أحسبهم يمكنهم أن يعلموا سهوه ; لأن له أن يقصر ويتم فإذا أتم فعلى من خلفه اتباعه مسافرين كانوا ، أو مقيمين فأي مسافر صلى مع مسافر ، أو مقيم وهو لا يعرف أمسافر إمامه أم مقيم فعليه أن يصلي أربعا إلا أن يعلم أن المسافر لم يصل إلا ركعتين فيكون له أن يصلي ركعتين وإن خفي ذلك عليه كان عليه أن يصلي أربعا لا يجزيه غير ذلك ; لأنه لا يدري لعل المسافر كان ممن يتم صلاته تلك ، أو لا وإذا افتتح المسافر الصلاة بنية القصر ثم ذهب عليه أنوى عند افتتاحها الإتمام أو القصر ؟ فعليه الإتمام فإذا ذكر أنه افتتحها ينوي القصر بعد نسيانه فعليه الإتمام ; لأنه كان فيها في حال عليه أن يتم ولا يكون له أن يقصر عنها بحال ولو أفسدها صلاها تماما لا يجزيه غير ذلك ولو افتتح الظهر ينويها لا ينوي بها قصرا ولا إتماما كان عليه الإتمام ولا يكون له القصر .

إلا أن تكون نيته مع الدخول في الصلاة لا تقدم نية الدخول ولا الدخول نية القصر فإذا كان هذا فله أن يقصر وإذا لم يكن هكذا فعليه أن يتم ولو افتتحها ونيته لقصر ثم نوى أن يتم ، أو شك في نيته في القصر أتم في كل حال ولو جهل أن يكون له القصر في السفر فأتم كانت صلاته تامة ولو جهل رجل يقصر وهو يرى أن ليس له أن يقصر أعاد كل صلاة قصرها ولم يعد شيئا مما لم يقصر من الصلاة ولو كان رجل في سفر تقصر فيه الصلاة فأتم بعض الصلوات وقصر بعضها كان ذلك له كما لو وجب عليه الوضوء فمسح على الخفين صلاة ونزع وتوضأ وغسل رجليه صلاة كان ذلك له وكما لو صام يوما من شهر رمضان مسافرا وأفطر آخر كان له ذلك وإذا رقد رجل عن صلاة في سفر ، أو نسيها فذكرها في الحضر صلاها صلاة حضر ولا تجزيه عندي إلا هي ; لأنه إنما كان له القصر في حال فزالت تلك الحال فصار يبتدئ صلاتها في حال ليس له فيها القصر ولو نسي صلاة ظهر لا يدري أصلاة حضر أو سفر ؟ لزمه أن يصليها صلاة حضر إن صلاها مسافرا ، أو مقيما ، ولو نسي ظهرا في حضر فذكرها بعد فوتها في السفر صلاها صلاة حضر لا يجزيه غير ذلك ولو ذكرها وقد بقي عليه من وقت الظهر شيء كان له أن يصليها صلاة سفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية