الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب كيفية الجزاء ( قال الشافعي ) : قال الله - جل وعز - { فجزاء مثل ما قتل من النعم } .

( قال الشافعي ) : والنعم الإبل والبقر والغنم .

( قال ) : وما أكل من الصيد صنفان دواب وطائر فما أصاب المحرم من الدواب نظر إلى أقرب الأشياء من المقتول شبها من النعم ففدى به ، وقد حكم عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهم في بلدان مختلفة وأزمان شتى بالمثل من النعم فحكم حاكمهم في النعامة ببدنة وهي لا تسوى بدنة ، وفي حمار الوحش ببقرة وهو لا يسوى بقرة وفي الضبع بكبش وهو لا يسوى كبشا وفي الغزال بعنز ، وقد يكون أكثر من ثمنها أضعافا ودونها ومثلها وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وهما لا يساويان عناقا ولا جفرة فدل ذلك على أنهم نظروا إلى أقرب ما يقتل من الصيد شبها بالبدل من النعم لا بالقيمة ولو حكموا بالقيمة لاختلفت لاختلاف الأسعار وتباينها في الأزمان وكل دابة من الصيد لم نسمها ففداؤها قياسا على ما سمينا فداءه منها لا نختلف ولا يفدى إلا من النعم وفي صغار أولادها صغار أولاد هذه ، وإذا أصاب صيدا أعور أو مكسورا فداه بمثله والصحيح أحب إلي وهو قول عطاء .

( قال ) : ويفدى الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى ، وقال في موضع آخر ويفدي بالإناث أحب إلي ، وإن جرح ظبيا فنقص من قيمته العشر فعليه العشر من ثمن شاة وكذلك إن كان النقص أقل أو أكثر .

( قال المزني ) : عليه عشر الشاة أولى بأصله ، وإن قتل الصيد فإن شاء جزاء بمثله ، وإن شاء قوم المثل دراهم ثم الدراهم طعاما ثم تصدق به ، وإن شاء صام عن كل مد يوما ولا يجزئه أن يتصدق بشيء من الجزاء إلا بمكة أو بمنى فأما الصوم فحيث شاء ; لأنه لا منفعة فيه لمساكين الحرم ، وإن أكل من لحمه فلا جزاء عليه إلا في قتله أو جرحه . ولو دل على صيد كان مسيئا ولا جزاء عليه كما لو أمر بقتل مسلم لم يقتص منه وكان مسيئا ومن قطع من شجرة الحرم شيئا جزاه محرما كان أو حلالا وفي الشجرة الصغيرة شاة وفي الكبيرة بقرة وذكروا هذا عن ابن الزبير وعطاء .

( قال ) : وسواء ما قتل في الحرم أو في الإحرام مفردا كان أو قارنا فجزاء واحد ولو اشتركوا في قتل صيد لم يكن عليهم إلا جزاء واحد وهو قول ابن عمر وما قتل [ ص: 169 ] من الصيد لإنسان فعليه جزاؤه للمساكين وقيمته لصاحبه ولو جاز إذا تحول حال الصيد من التوحش إلى الاستئناس أن يصير حكمه حكم الأنيس جاز أن يضحي به ويجزي به ما قتل من الصيد ، وإذا توحش الإنسي من البقر والإبل أن يكون صيدا يجزيه المحرم ولا يضحي به ولكن كل على أصله وما أصاب من الصيد فداه إلى أن يخرج من إحرامه وخروجه من العمرة بالطواف والسعي والحلاق وخروجه من الحج خروجان الأول الرمي والحلق وهكذا لو طاف بعد عرفة وحلق ، وإن لم يرم فقد خرج من الإحرام فإن أصاب بعد ذلك صيدا في الحل فليس عليه شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية