الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كيف تفريق قسم الصدقات ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى : ينبغي للساعي على الصدقات أن يأمر بإحصاء أهل السهمان في عمله فيكون فراغه من قبض الصدقات بعد تناهي أسمائهم وأنسابهم وحالاتهم وما يحتاجون إليه ، ويحصي ما صار في يديه من الصدقات فيعزل من سهم العاملين بقدر ما يستحق بعمله ثم يقضي جميع ما بقي من السهمان كله عندهم كما أصف إن شاء الله تعالى ، إذا كان الفقراء عشرة ، والمساكين عشرين ، والغارمون خمسة . وهؤلاء ثلاثة أصناف من أهل الصدقة ، وكان سهمانهم الثلاثة من [ ص: 94 ] جميع المال ثلاثة آلاف ، فإن كان الفقراء يغترقون سهمهم هو ألف ، هو ثلث المال ، فيكون سهمهم كفافا يخرجون به من حد الفقر إلى حد الغنى أعطوه كله ، وإن كان يخرجهم من حد الفقر إلى حد الغنى ثلاثة ، أو أربعة ، أو أقل ، أو أكثر ، أعطوا منه ما يخرجهم من اسم الفقر ، ويصيرون به إلى اسم الغنى ويقف الوالي ما بقي منه ، ثم يقسم على المساكين سهمهم ، هو ألف هكذا ، وعلى الغارمين سهمهم هو ألف هكذا ، فإن قال قائل : كيف قلت لكل أهل صنف موجود سهمهم ثم استغنوا ببعض السهم ، فلم لا يسلم إليهم بقيته ؟ .

( قال الشافعي ) : قلته بأن الله تبارك وتعالى سماه لهم مع غيرهم بمعنى من المعاني ، هو الفقر والمسكنة والغرم ، فإذا خرجوا من الفقر والمسكنة فصاروا إلى الغنى ومن الغرم ، فبرئت ذمتهم وصاروا غير غارمين ، فلا يكونون من أهله ; لأنهم ليسوا ممن يلزمه اسم من قسم الله عز وجل له بهذا الاسم ومعناه ، وهم خارجون من تلك الحال ممن قسم الله له ، ألا ترى أن أهل الصدقة الأغنياء لو سألوا بالفقر والمسكنة في الابتداء أن يعطوا منها لم يعطوا ، وقيل لستم ممن قسم الله له ، وكذلك لو سألوا بالغرم وليسوا غارمين ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تحل الصدقة لغني } إلا من استثنى ، فإذا أعطيت الفقراء والمساكين فصاروا أغنياء فهم ممن لا تحل لهم ، وإذا لم تحل لهم كنت لو أعطيتهم أعطيتهم ما لا يحل لهم ولا لي أن أعطيهم ، وإنما شرط الله عز وجل إعطاء أهل الفقر والمسكنة وليسوا منهم .

( قال ) : ويأخذ العاملون عليها بقدر أجورهم في مثل كفايتهم وقيامهم وأمانتهم والمؤنة عليهم ، فيأخذ الساعي نفسه لنفسه بهذا المعنى ، ويعطى العريف ومن يجمع الناس عليه بقدر كفايته وكلفته ، وذلك خفيف ; لأنه في بلاده ، ويعطى ابن السبيل منهم قدر ما يبلغه البلد الذي يريد في نفقته وحمولته إن كان البلد بعيدا وكان ضعيفا ، وإن كان البلد قريبا وكان جلدا الأغلب من مثله وكان غنيا بالمشي إليها أعطي مؤنته في نفقته بلا حمولة ، فإن كان يريد أن يذهب ويأتي أعطي ما يكفيه في ذهابه ورجوعه من النفقة ، فإن كان ذلك يأتي على السهم كله أعطيه كله إن لم يكن معه ابن سبيل غيره ، وإن كان يأتي على سهم من مائة سهم من سهم ابن السبيل لم يزد عليه .

فإن قال قائل : لم أعطيت الفقراء والمساكين والغارمين حتى خرجوا من اسم الفقر والمسكنة والغرم ولم تعط العاملين وابن السبيل حتى يسقط عنهم الاسم الذي له أعطيتهم ويزول ؟ فليس للاسم أعطيتهم ولكن للمعنى ، وكان المعنى إذا زال زال الاسم ونسمي العاملين بمعنى الكفاية ، وكذلك ابن السبيل بمعنى البلاغ ، لو أني أعطيت العامل وابن السبيل جميع السهمان وأمثالها لم يسقط عن العامل اسم العامل ما لم يعزل ، ولم يسقط عن ابن السبيل اسم ابن السبيل ما دام مجتازا ، أو كان يريد الاجتياز فأعطيتهما ، والفقراء والمساكين والغارمين بمعنى واحد ، غير مختلف ، وإن اختلفت أسماؤه كما اختلفت أسماؤهم والعامل إنما هو مدخل عليهم صار له حق معهم بمعنى كفاية وصلاح للمأخوذ منه والمأخوذ له ، فأعطي أجر مثله وبهذا في العامل مضت الآثار وعليه من أدركت ممن سمعت منه ببلدنا ، ومعنى ابن السبيل في أن يعطى ما يبلغه ، إن كان عاجزا عن سفره إلا بالمعونة عليه بمعنى العامل في بعض أمره ويعطى المكاتب ما بينه وبين أن يعتق قل ذلك ، أو كثر ، حتى يغترق السهم ، فإن دفع إليه ، فالظاهر - عندنا - على أنه حريص على أن لا يعجز ، وإن دفع إلى مالكه كان أحب إلي وأقرب من الاحتياط .

التالي السابق


الخدمات العلمية