الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن عمر بينا هو قائم يخطب يوم الجمعة فدخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فناداه عمر أية ساعة هذه ؟ فقال إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء فلم أزد على أن توضأت فقال عمر الوضوء أيضا وقد علمتم وفي موضع آخر وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل ، وفي رواية لمسلم أن الداخل عثمان بن عفان وفيها : ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل وفي لفظ البخاري إذا راح .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث الثاني) وعن عمر بينا هو قائم يخطب يوم الجمعة فدخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فناداه عمر أية ساعة هذه فقال إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء فلم أزد على أن توضأت فقال عمر الوضوء أيضا وقد علمتم وفي موضع آخر وقد [ ص: 158 ] علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه البخاري من طريق مالك ومسلم من طريق يونس بن يزيد كلاهما عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر واتفق عليه الشيخان أيضا من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عمر بمعناه ولفظه ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل لفظ مسلم وقال البخاري إذا راح .

                                                            (الثانية) قوله بينا قال في النهاية أصلها بين فأشبعت الفتحة فصارت ألفا يقال بينا وبينما وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ويضافان إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى وإلا فصح في جوابهما أن لا يكون فيه إذ وإذا وقد جاء في الجواب كثيرا يقول بينا زيد جالس دخل عليه عمرو وإذا دخل عليه ومنه قول الحرقة بنت النعمان

                                                            بينــا نســوس النــاس والأمـر أمرنـا إذا نحـــن فيهـــم ســوقة نتنصــف

                                                            انتهى وقد اقترن جوابها في هذا الحديث بالفاء والظاهر أنها زائدة على رأي من يرى زيادتها وهو الأخفش وغيره وأنكره سيبويه .

                                                            (الثالثة) يوم الجمعة بضم الميم وإسكانها وفتحها ثلاث لغات الأولى أشهرهن وبها قرأ السبعة والإسكان قراءة الأعمش وهو تخفيف من الضم وفتح الجيم حكاه في المحكم ووجهه بأنها التي تجمع الناس كثيرا كما قالوا رجل لعنة يكثر لعن الناس ورجل ضحكة يكثر الضحك وحكاه الواحدي عن الفراء والمشهور أن سبب تسميتها جمعة اجتماع الناس فيها وقيل لأنه جمع فيه خلق آدم حكاه في المحكم عن الفراء أنه روى عن ابن عباس رضي الله عنهما .

                                                            وذكر النووي في تهذيبه أنه جاء فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها سميت به لذلك قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي ولم أجد لهذا الحديث أصلا انتهى .

                                                            وقيل لأن المخلوقات اجتمع خلقها وفرغ منها يوم الجمعة حكاه في المشارق وقيل [ ص: 159 ] لاجتماع آدم عليه السلام فيه مع حواء في الأرض .

                                                            رواه الحاكم في مستدركه من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سلمان ما يوم الجمعة ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال يا سلمان يوم الجمعة جمع فيه أبوكم وأمكم .

                                                            وقيل لأن قريشا كانت تجتمع فيه إلى قصي في دار الندوة حكاه في المحكم عن ثعلب فهذه خمسة أقوال في سبب تسميتها بذلك واختلفوا هل كان في الجاهلية اسما له أو حدثت التسمية به في الإسلام فذهب إلى الأول ثعلب وقال إن أول من سماه بذلك كعب بن لؤي وذهب غيره إلى الثاني حكى هذا الخلاف ابن سيده في المحكم والسهيلي .

                                                            واعلم أن يوم الجمعة هو الاسم الذي سماه الله تعالى به وله أسماء أخر .

                                                            (الأول) يوم العروبة بفتح العين المهملة وكان هو اسمه في الجاهلية قال أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذا قال ومعناه اليوم البين المعظم من أعرب إذا بين قال ولم يزل يوم الجمعة معظما عند أهل كل ملة قلت لم تعرفه الأمم المتقدمة وأول من هدي له هذه الأمة كما تقدم في الحديث الصحيح والله أعلم وقال أبو موسى المديني في ذيله على الغريبين وإلا فصح أن لا يدخلها الألف واللام قال وكأنه ليس بعربي .

                                                            (الثاني) من أسمائه حربة حكاه أبو جعفر النحاس أي مرتفع عال كالحربة قال وقيل ومن هذا اشتق المحراب (الثالث) يوم المزيد .

                                                            وروى الطبراني في معجمه الأوسط بإسناد ضعيف عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام أنه قال ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد ذكره في أثناء حديث طويل .

                                                            (الرابع) حج المساكين سماه بعضهم بذلك قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي وكأنه أخذه من الحديث الذي رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من رواية الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس مرفوعا والحديث ضعيف وكان شعبة ينكر أن يكون الضحاك سمع من ابن عباس وقال ابن حبان لم يشافه أحدا من الصحابة زعم أنه لقي ابن عباس وقد وهم انتهى .

                                                            (الرابعة) هذا الرجل المبهم هو عثمان بن عفان رضي الله عنه كما هو مصرح به في رواية مسلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه .

                                                            (الخامسة) قوله أية ساعة هذه أي قد انقضت ساعات التبكير التي حض النبي صلى الله عليه وسلم عليها بقوله المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة الحديث فأية ساعة [ ص: 160 ] هذه منها ينكر عليه عدم تبكيره إلى الجمعة ، ففيه أمر الإمام رعيته بمصالح دينهم وحثهم على ما ينفعهم في أخراهم وفيه الإنكار على من خالف السنة وإن عظم محله في العلم والدين فإن الحق أعظم منه وفيه أنه لا بأس بالإنكار على الأكابر بجمع من الناس إذا اقترنت بذلك نية حسنة .

                                                            (السادسة) فيه جواز الكلام في الخطبة وقد استدل به على ذلك الشافعي وهو أصح قوليه والقول الثاني تحريم الكلام ووجوب الإنصات وهو القول الآخر للشافعي وبه قال مالك وأبو حنيفة



                                                            (السابعة) في قوله إني شغلت اليوم إلى آخره الاعتذار إلى ولاة الأمور وترك المشاققة لهم والمراد بالنداء هنا الأذان وهو مصرح به في رواية الصحيحين حتى سمعت التأذين والنداء بكسر النون ويجوز ضمها وهو ممدود .

                                                            (الثامنة) قوله الوضوء أيضا منصوب أي توضأت الوضوء مقتصرا عليه أو خصصت الوضوء بالفعل دون الغسل قاله الأزهري وغيره وجوز فيه أبو العباس القرطبي الرفع أيضا على أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره الوضوء يقتصر عليه والأول أوجه وهو المعروف في الرواية وفي رواية مسلم والوضوء بزيادة واو في أوله قال أبو العباس القرطبي والواو عوض من همزة الاستفهام كما قال تعالى (قال فرعون وآمنتم) في قراءة ابن كثير انتهى وهمزة الاستفهام مقدرة في روايتنا .



                                                            (التاسعة) استدل به على وجوب غسل الجمعة فإن ظاهر الأمر الوجوب وقد حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار بن ياسر وحكاه الخطابي عن الحسن البصري وحكاه ابن حزم عن عمر بن الخطاب وابن عباس وأبي سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعمرو بن سليم وعطاء وكعب والمسيب بن رافع وسفيان الثوري ثم بسط ذلك وأوضحه ثم قال ما نعلم أنه يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم إسقاط فرض الغسل يوم الجمعة وروى ابن أبي شيبة في مصنفه أن سعد بن أبي وقاص قال لابن له هل اغتسلت ؟ قال لا : توضأت ثم جئت فقال له سعد ما كنت أحسب أن أحدا يدع الغسل يوم الجمعة ورواه الطحاوي بلفظ ما كنت أرى مسلما يدع الغسل يوم الجمعة وقال أي لما فيه من الفضل الكثير مع خفة مؤنته وروى ابن أبي شيبة أيضا عن أبي البختري قال قاول عمار رجلا [ ص: 161 ] فاستطال عليه فقال : إنا إذا أنتن من الذي لا يغتسل يوم الجمعة وعن ابن عباس ما شعرت أن أحدا يرى أن له طهورا يوم الجمعة غير الغسل ، وعن إبراهيم النخعي قال قال عمر في شيء لأنت أشر ممن لا يغتسل يوم الجمعة ، وعن عبد الله بن سعد قال كان عمر إذا حلف قال إنا إذا أشر من الذي لا يغتسل يوم الجمعة

                                                            وحكي إيجابه أيضا عن مالك والشافعي وأحمد أما مالك فحكاه عنه ابن المنذر والخطابي وأبى ذلك أصحابه وجزموا عنه الاستحباب .

                                                            وقال القاضي عياض إنه المعروف من قول مالك ومعظم أصحابه وأما الشافعي فإنه نص عليه في القديم كما هو محكي في شرح الغنية لابن سريج وفي الجديد أيضا فإنه نص عليه في الرسالة وهي من كتبه الجديدة من رواية الربيع عنه فقال فيها فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة واجب وأمره بالغسل يحتمل معنيين الظاهر منهما أنه واجب فلا تجزئ الطهارة لصلاة الجمعة إلا بالغسل كما لا يجزئ في طهارة الجنب غير الغسل ويحتمل أنه واجب في الاختيار وكرم الأخلاق والنظافة ثم استدل للاحتمال الثاني بقصة عثمان التي نحن في شرحها ولكن المشهور عنه الاستحباب وهو المجزوم به في تصانيف أصحابه .

                                                            وقال الرافعي والنووي وابن الرفعة وغيرهم إنه لا خلاف فيه لعدم اطلاعهم على النص السابق ويحتمل أن يكون قوله في الرسالة الظاهر أراد به الظاهر من جوهر لفظ الحديث لكن صد عنه الدليل فلا يكون أراد ترجيح ذلك حتى يعد له قولا وأما أحمد فحكى ابن قدامة في المغني عنه الوجوب في رواية عنه ولكن المشهور عنه أيضا الاستحباب وبه صدر ابن قدامة كلامه وقال بوجوبه أيضا ابن خزيمة ونقله والدي رحمه الله عن اختيار شيخه الإمام تقي الدين السبكي قال وكان يواظب عليه وذهب الجماهير من السلف والخلف إلى أنه سنة غير واجب وحكاه الخطابي عن عامة الفقهاء .

                                                            وحكاه القاضي عياض عن عامة الفقهاء وأئمة الأمصار ونقل ابن عبد البر فيه الإجماع فقال أجمع علماء المسلمين قديما وحديثا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب انتهى ويرد عليه ما حكيته من الخلاف وبوب ابن أبي شيبة في مصنفه على غسل الجمعة وعلى أن الوضوء [ ص: 162 ] يجزئ منه ثم بوب من كان لا يغتسل في السفر يوم الجمعة وروى فيه بأسانيده عن ابن عمر والأسود وعلقمة ومجاهد وطاوس أنهم كانوا لا يغتسلون يوم الجمعة في السفر وعن القاسم بن محمد أنه سئل عن الغسل يوم الجمعة في السفر فقال كان ابن عمر لا يغتسل وأنا أرى لك أن لا تغتسل واقتضى كلام ابن أبي شيبة وإيراده أن هذا قول ثالث في المسألة مفصل والله أعلم .

                                                            (العاشرة) استدل بهذه القصة على أنه غير واجب وأن الأمر به إنما هو للاستحباب لأن عثمان رضي الله عنه لم يغتسل وأقره على ذلك عمر وسائر الصحابة الذين حضروا الخطبة وهم أهل الحل والعقد ولو كان واجبا لما تركه ولألزموه به وقد استدل به على ذلك الشافعي رحمه الله فقال في رواية أبي عبد الله فلما علمنا أن عمر وعثمان قد علما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل يوم الجمعة بذكر عمر علمه وعلم عثمان ولم يغتسل عثمان ولم يخرج فيغتسل ولم يأمره عمر بذلك ولا أحد ممن حضرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دل هذا على أن عمر وعثمان قد علما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل على الأحب لا على الإيجاب وكذلك والله أعلم دل أن علم من سمع مخاطبة عمر وعثمان مثل عمر وعثمان انتهى نقله البيهقي في المعرفة وذكر الطحاوي مثل ذلك وقال ففي هذا إجماع منهم على نفي وجوب الغسل وقد اعترض ابن حزم على هذا الاستدلال فقال يقال لهم من لكم بأن عثمان لم يكن اغتسل في صدر يومه ذلك ومن لكم بأن عمر لم يأمره بالرجوع للغسل ؟ فإن قالوا ومن لكم بأن عثمان كان اغتسل في صدر يومه ومن لكم بأن عمر أمره بالرجوع للغسل قلنا هبكم أنه لا دليل عندنا بهذا ولا دليل عندكم بخلافه فمن جعل دعواكم أولى من دعوى غيركم فالحق أن يبقى الخبر لا حجة فيه ، هذا كلامه وهو ضعيف جدا أما الاحتمال الأول وهو أن يكون عثمان اغتسل في صدر يومه ذلك فهو مردود دل الحديث على خلافه لأن عمر أنكر على عثمان الاقتصار على الوضوء ولم يعتذر عثمان عن ذلك فلو كان اغتسل لاعتذر بذلك وذكره ولم يكن يتوجه عليه حينئذ إنكار وأما الاحتمال الثاني وهو أن يكون عمر أمره بالرجوع للغسل فهو مدفوع أيضا بأن الأصل خلافه فمن ادعاه فليقم الدليل [ ص: 163 ] عليه ولا يقال سقط الدليل للاحتمال لأن ذلك إنما هو عند تكافؤ الاحتمالين فأما مع ترجيح أحدهما بوجه من وجوه الترجيحات فالعمل بالراجح وقد ترجح عدم أمره بذلك بأنه خلاف الأصل كما ذكرنا فيحتاج مثبته إلى بيان وإلا كان كاذبا مختلفا ثم قال ابن حزم وبيقين ندري أن عثمان قد أجاب عمر في إنكاره عليه وتعظيمه أمر الغسل بأحد أجوبة لا بد من أحدها إما أن يقول له قد كنت اغتسلت قبل خروجي إلى السوق وإما أن يقول بي عذر مانع من الغسل أو يقول له نسيت وهأنذا أرجع وأغتسل ، فداره كانت على باب المسجد مشهورة إلى الآن أو يقول له سأغتسل فإن الغسل لليوم لا للصلاة فهذه أربعة أجوبة كلها موافقة لقولنا أو يقول له هذا أمر ندب وليس فرضا وهذا الجواب موافق لقول خصومنا فليت شعري ما الذي جعل لهم التعلق بجواب واحد من جملة خمسة أجوبة كلها ممكن وكلها ليس في الخبر منها شيء أصلا انتهى قلت الاحتمالات الثلاث الأول كلها مردودة بأنها خلاف الأصل والاحتمال الرابع سيأتي رده بعد ذلك حين نقرر أن الغسل للصلاة في الكلام على الحديث الذي بعده وقد روي أن عثمان ناظر عمر في ذلك بما دل على أن الأمر بالغسل ليس على الإيجاب والعموم وإنما هو على الاستحباب لأهل الخصوص المحافظين على جميع أفعال البر رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن هشيم عن منصور عن ابن سيرين قال : أقبل رجل من المهاجرين يوم الجمعة فقال له عمر : هل اغتسلت ؟ قال لا ، قال لقد علمت أنا أمرنا بغير ذلك ، قال الرجل بم أمرتم ؟ قال بالغسل ؛ قال أنتم معشر المهاجرين أم الناس ؟ قال لا أدري ، ثم رواه عن يزيد بن هارون عن هشام عن ابن سيرين عن ابن عباس قال بينما عمر بن الخطاب يخطب قال ثم ذكر نحوه لم يسق لفظه .

                                                            وقد رواه الطحاوي عن علي بن شيبة عن يزيد بن هارون فساقه على غير لفظ الرواية الأولى ولفظه عنده أن عمر بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ أقبل رجل فدخل المسجد فقال له عمر الآن حين توضأت فقال ما زدت حين سمعت الأذان على أن توضأت ثم جئت فلما دخل أمير المؤمنين ذكرته فقلت يا أمير المؤمنين أما سمعت ما قال ؟ قال وما قال ؟ قلت قال ما زدت على أن توضأت حين سمعت النداء ثم أقبلت [ ص: 164 ] فقال أما إنه قد علم أنا أمرنا بغير ذلك ، قلت وما هو قال الغسل ؛ فقلت أنتم أيها المهاجرون الأولون أم الناس جميعا ؟ قال لا أدري قال الخطابي ولم تختلف الأمة أن صلاته مجزئة إذا لم يغتسل فلما لم يكن الغسل من شرط صحتها دل أنه استحباب كالاغتسال للعيد والإحرام الذي يقع الاغتسال فيه متقدما لسببه ، ولو كان واجبا لكان متأخرا عن سببه كالاغتسال للجنابة والحيض والنفاس انتهى ويوافقه كلام ابن عبد البر فإنه قال لا أعلم أحدا أوجب غسل الجمعة إلا أهل الظاهر وهم مع ذلك يجيزون صلاة الجمعة دون غسل لها انتهى ولكن تقدم في كلام الشافعي رحمه الله التصريح بترجيح كونه واجبا لا تجزئ الطهارة لصلاة الجمعة إلا به وهو يدل على شرطيته إلا إن أولنا كلام الشافعي بما تقدم وإنما صد أهل الظاهر عن القول بشرطيته أنهم يرونه لليوم فيصح عندهم فعله بعد صلاة الجمعة وذلك يدل على صحة الجمعة بدونه والله تعالى أعلم .

                                                            (الحادية عشرة) قد يحتج به من يرى مطلق الأمر للندب دون الوجوب حيث لا قرينة فإن عثمان بن عفان رضي الله عنه ترك الاغتسال مع علمه بورود الأمر به ولم يأمره عمر بالاغتسال ولا أحد من الصحابة والجواب أنه قامت عندهم أدلة اقتضت أن هذا الأمر للندب



                                                            (الثانية عشرة) قال القاضي عياض في قول عثمان سمعت النداء حجة على أن السعي إنما يجب لسماعه وأن شهود الخطبة ليس بواجب على مقتضى قول أكثر أصحابنا قلت أما الاستدلال به على أنه لا يجب السعي إلا بسماع النداء فظاهر والمراد التنبيه على أن هذا كان من المقرر عندهم فإن الحجة إنما هي في المرفوع وأما الاستدلال به على أن شهود الخطبة غير واجب فمحل نظر فإنه لا يلزم من التأخر إلى سماع النداء فوات الخطبة فإن قلت هذا عثمان رضي الله عنه قد فاته بعض الخطبة قلت لعله لم يفته شيء من الأركان وعلى تقدير فوات بعض الأركان لعثمان فقد حضرها خلق زائدون على العدد الذي تنعقد به الجمعة فلم يفوت سماع بعض الأركان حيث لم يحضر عدد الجمعة فلا يصح إطلاق الاستدلال به على عدم وجوب شهود الخطبة بل يقال فيه دليل على أنه لا يجب شهودها على من زاد على العدد الذي تنعقد به الجمعة والله أعلم .

                                                            (الثالثة عشرة) قال القاضي أبو بكر بن العربي [ ص: 165 ] قال علماؤنا لم يخرج عمر عثمان من المسجد للغسل لضيق الوقت وأنا أقول إنما ذلك لأنه قد تلبس بالعبادة بشرطها فلا يتركها لأفضل من ذلك كما لو تيمم لعدم الماء ثم رآه في أثناء الصلاة ولو لم يكن كذلك لخرج واغتسل قال ابن القاسم وابن كنانة قلت كلا الأمرين ضعيف وإنما لم يكلفه الخروج للاغتسال لأنه مستحب وقد ضاق الوقت ، فضيق جزء علة وليس علة كاملة منفردة بالحكم فإنه لو كان واجبا لفعله وإن ضاق الوقت ولا سيما إن قيل إنه شرط وكيف يقال إنه تلبس بالعبادة مع كونه لم يشرع في الصلاة بعد .



                                                            (الرابعة عشرة) قال أصحابنا إذا عجز عن الغسل لفراغ الماء بعد الوضوء أو لقروح في بدنه تيمم وحاز الفضيلة قال إمام الحرمين هذا الذي قالوه هو الظاهر وفيه احتمال ورجح الغزالي هذا الاحتمال وهو مذهب المالكية .

                                                            (الخامسة عشرة) قال القاضي أبو بكر بن العربي لما فهم بعض أصحابنا أن المقصود من الغسل يوم الجمعة النظافة قال إنه يجوز بماء الورد وهذا نظر من رده إلى المعنى المعقول ونسي حظ التعبد في التعيين وهو بمنزلة من قال الغرض من رمي الجمار غيظ الشيطان فيكون بالمطارد ونحوها ونسي حظ التعبد بتعيين في المعنى وإن كان معقولا انتهى .




                                                            الخدمات العلمية