الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي فرفعتهما رواه أصحاب السنن وابن حبان وقال الترمذي حسن .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث السابع) عن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي فرفعتهما رواه أصحاب السنن وابن حبان وقال الترمذي حسن (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من طريق زيد بن الحباب وأخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه أيضا والحاكم في مستدركه من طريق علي بن الحسين بن واقد وأخرجه النسائي من طريق الفضل بن موسى وأبي تميلة يحيى بن واضح أربعتهم عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن [ ص: 204 ] أبيه وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم وكذا قال النووي في الخلاصة أنه على شرط مسلم وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد .

                                                            (الثانية) قوله يعثران بضم الثاء المثلثة هذا هو المشهور وحكى فيه صاحب المحكم كسرها أيضا وحكى عن اللحياني في الماضي الفتح والكسر ومعناه كبا كذا فسره في المحكم وقال الجوهري عثر في ثوبه مثال فقد يكون سبب الكبوة غير هذا .

                                                            (الثالثة) فيه جواز لبس الأحمر وهو مجمع عليه وفي الصحيحين عن أبي جحيفة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه مع أن الحسنين كانا إذ ذاك صغيرين لم يبلغا سن التكليف فيجوز إلباسهما الحرير فكيف بالأحمر الذي ليس بحرير ؟ وقال بعض أصحابنا إنما يجوز إلباس الصبي الحرير إذا لم يبلغ سبع سنين وصححه الرافعي في شرحه لكنه صحح في المحرر الجواز مطلقا وتبعه النووي وهو أرجح والله أعلم .

                                                            (الرابعة) تعثرهما في المشي يحتمل أن يكون سببه الإسراع ويحتمل أن يكون سببه ضعف البدن لصغرهما وعدم استحكام قوتهما ويحتمل أن يكون سببه طول الثياب وهو بعيد غير لائق بأهل ذلك الزمان ولا يدل على ذلك قوله في رواية النسائي عليهما قميصان أحمران يعثران فيهما ولا قوله عند النسائي أيضا : رأيت هذين يعثران في قميصيهما لأن هذا اللفظ يصدق وإن لم يكن سبب العثار طول الثياب .



                                                            (الخامسة) قد يستدل بهذه القصة من لا يوجب الموالاة في الخطبة لكنه زمن يسير لا يقطع الموالاة عند من يشترطها فليست هذه الصورة في موضع النزاع وللشافعي في المسألة قولان أصحهما عند أصحابه اشتراطها وبه قال الحنابلة وكذلك الخلاف في اشتراط الموالاة بين الخطبة والصلاة والمرجع فيما يقطع الموالاة من كلام أو فعل إلى العرف وحيث انقطعت الموالاة استأنف الأركان وقد يقال لم تكن هذه الخطبة خطبة الجمعة لكن النسائي بوب عليه نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة يوم الجمعة وقال الحاكم هو أصل في قطع الخطبة والنزول من المنبر عند الحاجة .

                                                            (السادسة) فيه جواز كلام الخطيب في أثناء الخطبة بما ليس منها وقد تقدم إيضاح ذلك [ ص: 205 ] في الكلام على الحديث الذي قبله .



                                                            (السابعة) وفيه منقبة للحسن والحسين رضي الله عنهما وقد أورده الترمذي في مناقبهما ولولا شدة محبته عليه الصلاة والسلام لما فعل معهما مثل ذلك وفي رواية الحاكم رأيت ولدي هذين



                                                            (الثامنة) وفيه بيان رحمته عليه الصلاة والسلام للعيال وشفقته عليهم ورفقه بهم والظاهر أن مبادرته عليه الصلاة والسلام إلى أخذهما لإعيائهما بالمشي وحصول المشقة لهما بالعثار فرفع تلك المشقة عنهما بحملهما



                                                            (التاسعة) إن قلت ظاهر الحديث أن قطع الخطبة والنزول لأخذهما فتنة دعا إليها محبة الأولاد وكان الأرجح تركه والاستمرار في الخطبة وهذا لا يليق بحال النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقطعه عن العبادة أمر دنيوي ولا يفعل إلا ما هو الأرجح والأكمل قلت قد بين النبي صلى الله عليه وسلم جواز مثل ذلك بفعله فكان راجحا في حقه لتضمنه بيان الشريعة التي أرسل بها وإن كان مرجوحا في حق غيره لخلوه عن البيان وكونه نشأ عن إيثار مصلحة الأولاد على القيام بحق العبادة ونبه عليه الصلاة والسلام بما ذكره في ذلك على حال غيره في ذلك لا على حال نفسه فإنه عليه الصلاة والسلام لا يفعل ذلك إلا لمصلحة راجحة على مصلحة الخطبة وبتقدير أن يكون لمصلحة مرجوحة فذلك الفعل في حقه راجح على الترك لكونه بين به جواز تقديم المصلحة المرجوحة على الأمر الراجح الذي هو فيه والله أعلم .



                                                            (العاشرة) فيه استحباب الخطبة على منبر وقد صرح بذلك العلماء من أصحابنا وغيرهم وقالوا فإن لم يكن منبر فعلى موضع مرتفع




                                                            الخدمات العلمية