الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            باب بيان المسكين عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ، قالوا فمن المسكين ؟ قال الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس وعن همام عن أبي هريرة مثله ولم يقل قالوا فمن المسكين قال : إنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ويستحيي أن يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه وفي رواية لمسلم إن المسكين المتعفف ، اقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا .

                                                            التالي السابق


                                                            (باب بيان المسكين) عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ، قالوا [ ص: 32 ] فمن المسكين ؟ قال الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس وعن همام عن أبي هريرة مثله ولم يقل قالوا فمن المسكين وقال إنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ويستحيي أن يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه (فيه) فوائد . .

                                                            (الأولى) أخرجه البخاري من طريق مالك ومسلم من طريق المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي كلاهما عن أبي الزناد عن الأعرج واتفقا عليه أيضا من طريق عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة كلاهما عن أبي هريرة بلفظ ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة ولا اللقمتان ، إنما المسكين الذي يتعفف ، واقرءوا إن شئتم يعني قوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا لفظ البخاري وقال مسلم إن المسكين المتعفف اقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا وانفرد به البخاري من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحيي أو لا يسأل الناس إلحافا .

                                                            (الثانية) قال العلماء معنى الحديث أن المسكين الكامل المسكنة هو المتعفف الذي لا يطوف على الناس ولا يسألهم ولا يفطن لحاله ، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطواف وإنما معناه نفي كمالها ، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام أتدرون من المفلس ؟ الحديث وكقوله صلى الله عليه وسلم أتدرون من الرقوب وكقوله تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن الآية استدل ابن عبد البر على إطلاق اسم المسكنة على الطواف بحديث أم بجيد مرفوعا ردوا المسكين ولو بظلف محرق وبقول عائشة رضي الله عنها (إن [ ص: 33 ] المسكين ليقف على بابي) الحديث . قال : وقد جعل الله تعالى الصدقات للفقراء والمساكين وأجمعوا أن السائل الطواف المحتاج مسكين .

                                                            (الثالثة) الإشارة التي في قوله بهذا الطواف ، تحتمل أن تكون لحضوره ومشاهدته وتحتمل أن تكون لحقارته .

                                                            (الرابعة) قوله فمن المسكين كذا هو في روايتنا من طريق أبي مصعب عن مالك وهو الوجه وفي رواية يحيى بن يحيى عن مالك فما المسكين ، وتابعه عليه جماعة كما ذكر ابن عبد البر وكذا هو في صحيح مسلم من طريق المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي وله ثلاث توجيهات .

                                                            (أحدها) أن يكون أراد فما الحال التي يكون بها السائل مسكينا .

                                                            و (الثاني) أن تكون ما هنا بمعنى من كما قيل في قوله تعالى والسماء وما بناها وقوله تعالى وما خلق الذكر والأنثى ذكرهما ابن عبد البر .

                                                            (والثالث) أن ما تأتى كثيرا لصفات من يعقل كقوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء أي الطيب ذكره النووي في شرح مسلم .

                                                            (الخامسة) الغنى بكسر الغين مقصور اليسار ، وقوله يغنيه صفة له وهو قدر زائد على اليسار إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر واللفظ محتمل لأن يكون المراد نفي أصل اليسار ولأن يكون المراد نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار ، وهذا كقوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا وكقول الشاعر

                                                            علـــى لا حـــب لا يهتــدى بمنــاره

                                                            وعلى الاحتمال الثاني ففيه أن المسكين هو الذي يملك ما يقع موقعا من كفايته لا يكفيه وهو حينئذ أحسن حالا من الفقير فإنه الذي لا يملك شيئا أصلا أو يملك مالا يقع موقعا من كفايته وبهذا قال الشافعي وأبو حنيفة وفقهاء الكوفة وقال به من أهل اللغة الأصمعي وأبو جعفر أحمد بن عبيد واستدل له أيضا بقوله تعالى أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة لكونها لا تقوم بجميع حاجتهم وعكس آخرون ذلك فقالوا : الفقير أحسن حالا من المسكين حكاه ابن عبد البر عن يونس بن حبيب وابن السكيت وابن قتيبة وقوم من أهل الفقه والحديث وقال آخرون هما سواء ولا فرق بينهما في المعنى [ ص: 34 ] وإن افترقا في الاسم حكاه ابن عبد البر عن ابن القاسم وسائر أصحاب مالك وحكى ابن بطال قولا رابعا أن المسكين الذي يسأل والفقير الذي لا يسأل .

                                                            (السادسة) قوله فيتصدق عليه ، وقوله فيسأل الناس منصوبان في جواب النفي ، وهذا واضح .



                                                            (السابعة) فيه أن الصدقة على المتعفف أفضل منها على السائل الطواف وهو كذلك .

                                                            (الثامنة) قد يستدل بقوله ولا يقوم فيسأل الناس على أحد محملي قوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا أن معناه نفي السؤال أصلا ، وقد يقال لفظة يقوم تدل على التأكيد في السؤال فليس فيه نفي أصل السؤال والتأكيد في السؤال هو الإلحاف .




                                                            الخدمات العلمية