الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن عروة عن عائشة قالت كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم أسامة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أسامة لا أراك تكلمني في حد من حدود الله ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه ، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة ابنة محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية لفظ مسلم إلى قوله فيها : ثم أحال بقيته على طريق الليث وقد اتفق الشيخان عليها بلفظ إن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : وفي رواية مسلم أن قريشا أهمهم أمر المرأة التي سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ولم يذكر البخاري في هذه الرواية عائشة إلا في رفع حاجتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ولمسلم من حديث جابر أن المخزومية التي سرقت عاذت بأم سلمة : .

                                                            التالي السابق


                                                            [ ص: 28 ] الحديث الثاني . وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم أسامة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا أراك تكلمني في حد من حدود الله ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال : إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه ؛ وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه ؛ والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة ابنة محمد لقطعت يدها ، فقطع يد المخزومية (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) : أخرجه مسلم وأبو داود من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر واتفق عليه الأئمة الستة من طريق الليث بن سعد واتفق عليه الشيخان وأبو داود والنسائي من طريق يونس بن يزيد ، وأخرجه البخاري والنسائي من طريق أيوب بن موسى والنسائي فقط من رواية إسحاق بن راشد وإسماعيل بن أمية وشعيب بن أبي حمزة وسفيان بن عيينة كلهم عن الزهري عن عروة [ ص: 29 ] عن عائشة وفي رواية الليث ويونس أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ومن يجرؤ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحديث وفي رواية يونس التي سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ، وفيها فقال أسامة استغفر لي يا رسول الله ، وفيها فحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : .

                                                            (الثانية) : هذه المخزومية اسمها فاطمة وهي ابنة أخي أبي سلمة بن عبد الأسد زوج أم سلمة رضي الله عنها ذكره الخطيب في مبهماته وكذا قال ابن طاهر في مبهماته : هي فاطمة بنت الأسود بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد وقال ابن بشكوال هي فاطمة بنت أبي الأسد بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد ذكره عبد الغني وقيل هي أم عمرو بن سفيان بن عبد الأسد ذكره عبد الرزاق .

                                                            (الثالثة) : استدل به على أن من استعار قدر نصاب السرقة وجحده ثم ثبت ذلك عليه ببينة أو إقرار قطع به وبه قال إسحاق بن راهويه وابن حزم الظاهري وهو أشهر الروايتين عن أحمد بن حنبل وقال ابنه عبد الله سألت أبي فقلت له تذهب إلى هذا الحديث فقال لا أعلم شيئا يدفعه وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أنه لا قطع على جاحد العارية وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأجابوا عن هذا الحديث . [ ص: 30 ] بأجوبة :

                                                            (أحدها) : أن هذه الرواية شاذة فإنها مخالفة لجماهير الرواة والشاذة لا يعمل بها حكاه النووي عن جماعة من العلماء .

                                                            وقال أبو العباس القرطبي من روى أنها سرقت أكثر وأشهر من رواية أنها كانت تجحد المتاع وانفرد معمر بذكر الجحد وحده من بين الأئمة الحفاظ وقد تابعه على ذلك من لا يعتد بحفظه كابن أخي ابن شهاب ونمطه هذا قول المحدثين .

                                                            وقال والدي رحمه الله في شرح الترمذي اختلف فيه على الزهري فقال الليث ويونس بن يزيد وإسماعيل بن علية وإسحاق بن راشد أنها سرقت وقال معمر وشعيب بن أبي حمزة أنها استعارت وجحدت ورواه سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن الزهري واختلف عليه فرواه البخاري عن ابن المديني عن سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن الزهري أنها سرقت ورواه النسائي عن رزق الله بن موسى عن سفيان عنه فقال فيه أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعه قالوا ما كنا نريد نبلغ منه هذا قال لو كانت فاطمة لقطعتها رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه عن سفيان قال " كانت مخزومية تستعير متاعا وتجحده " الحديث وفي آخره قيل لسفيان من ذكره قال أيوب بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة وقد رواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان بن عيينة فيه وابن عيينة لم يسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري إنما وجده في كتاب أيوب بن موسى كما بينه البخاري في روايته قال ذهبت أسأل الزهري عن حديث المخزومية فصاح علي قال ابن المديني فقلت لسفيان فلم يحفظه عن أحد قال وجدته في كتاب كتبه أيوب بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة وابن عيينة وإن كان مقبول التدليس كما قال ابن حبان والبزار والأسدي فإنه اضطربت الرواية عنه فيه وإنما أخذه من كتاب انتهى .

                                                            وعكس ابن حزم ذلك فقال لم يضطرب على معمر ولا على شعيب بن أبي حمزة من ذلك وهما في غاية الثقة والجلالة وإن خالفهما الليث ويونس وإسماعيل بن أمية وإسحاق بن راشد فإن الليث ويونس قد اضطرب عليهما أيضا وهؤلاء ليسوا فوق معمر وشعيب في الحفظ وقد وافقهما ابن أخي الزهري عن عمه انتهى .

                                                            (الجواب الثاني) : أن قطعهما إنما كان بالسرقة وإنما ذكرت العارية تعريفا لها ووصفا لا لأنها سبب القطع وبذلك يحصل . [ ص: 31 ] الجمع بين الروايتين فإنها قضية واحدة وهذا الجواب هو الذي اعتمده أكثر الناس وحكاه المازري عن أهل العلم والنووي عن العلماء ثم قال : قال العلماء وإنما لم يذكر السرقة في هذه الرواية ؛ لأن المقصود منها عند الراوي ذكر منع الشفاعة في الحدود لا الإخبار عن السرقة انتهى .

                                                            وقال أبو داود وقد روى مسعود بن الأسود عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر وقال سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه ابن ماجه والحاكم في مستدركه من طريق ابن إسحاق عن محمد بن طلحة بن ركانة عن أمه عائشة بنت مسعود بن الأسود عن أبيها قال لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمنا ذلك وكانت امرأة من قريش فجئنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم نكلمه وقلنا نحن نفديها بأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تطهر خير لها ، فلما سمعنا لين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتينا أسامة فقلنا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قام خطيبا فقال ما إكثاركم علي في حد من حدود الله وقع على أمة من إماء الله والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة نزلت بالذي نزلت به لقطع محمد يدها وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة ليس في لفظ هذا الحديث ما يدل على أن المعبر عنه امرأة واحدة ، قال والدي رحمه الله فجوز أن يكونا قضيتين وكذلك رواية النسائي أنه سارق يجوز أن تكون قصة أخرى ويجوز أن تكون القضية واحدة وأن المراد الشخص السارق وكذلك الاختلاف في كون الشافع لها أسامة أو أنها عاذت بأم سلمة أو زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنوضح ذلك ، ويرد أنهما قضيتان أن أسامة رضي الله عنه لا يمكنه الشفاعة في حد من حدود الله تعالى مرة ثانية بعد نهيه عليه الصلاة والسلام له عن ذلك ومال ابن حزم إلى أنهما قضيتان وأجاب عن هذا بأنه شفع في السرقة فنهى ثم شفع في المستعيرة وهو لا يعلم أن حد ذلك أيضا القطع .

                                                            (الجواب الثالث) : أن نفس رواية معمر تدل على أن القطع في السرقة ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما أنكر على أسامة قال لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر بتلك المرأة فقطعت قال أبو العباس القرطبي وهذا يدل دلالة قاطعة على أن المرأة قطعت في السرقة إذا لو كان قطعها لأجل جحد المتاع لكان ذكر السرقة هنا . [ ص: 32 ] لاغيا لا فائدة له مطلقا وإنما كان يقول لو أن فاطمة جحدت المتاع لقطعت يدها .

                                                            (الرابع) : قال أبو العباس القرطبي لا تعارض بين رواية من روى سرقت ورواية من روى جحدت إذ يمكن أن المرأة فعلت الأمرين لكن قطعت في السرقة لا في الجحد كما شهد به سياق الحديث .

                                                            (قلت) الكلام في لفظ الحديث وترتيبه في إحدى الروايتين القطع على السرقة وفي الأخرى على الجحد وترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعلية فكانت إحدى الروايتين دلالة على أن علة القطع السرقة والأخرى على أن علته جحد المتاع فما تقدم من الأجوبة أولى .

                                                            (الخامس) : أن هذه الرواية المرتبة للقطع على الجحد قد عارضها ما هو أولى بالتمسك به منها لعدم الاختلاف فيه ، وهو ما رواه أصحاب السنن الأربعة من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع : لفظ الترمذي وقال حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم وضعفه ابن حزم بأن ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير وأبو الزبير لم يسمعه من جابر ؛ لأنه قد أقر على نفسه بالتدليس وفيما قاله نظر ، أما كون ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير فقد قاله قبله أبو داود قال وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال إنما سمعه ابن جريج من ياسين الزيات ورواه ابن عدي في الكامل من طريق عبد الرزاق أنا ياسين الزيات أخبرني أبو الزبير عن جابر ثم روى عن عبد الرزاق أنه قال أهل المدينة يقولون : إن ابن جريج لم يسمع من أبي الزبير إنما سمع من ياسين وياسين الزيات ضعيف قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك الحديث لكن يعارض هذا أن النسائي رواه من رواية ابن المبارك عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير فصرح فيه بالاتصال لكن قال النسائي قد روي هذا الحديث عن ابن جريج عيسى بن يونس والفضل بن موسى وابن وهيب ومحمد بن ربيعة ومخلد بن يزيد وسلمة بن سعيد البصري فلم يقل أحد منهم حدثني أبو الزبير ولا أحسبه سمعه من أبي الزبير انتهى . فإن ترجح أن ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير فقد تابعه عليه مغيرة بن مسلم فرواه عن أبي الزبير كذلك ورواه النسائي من طريقه وقول ابن حزم مغيرة بن مسلم ليس . [ ص: 33 ] بالقوي مردود فقد وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو حاتم وابن حبان والدارقطني وقد تابع أبا الزبير عليه عمرو بن دينار رواه ابن حبان في صحيحه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير وعمرو بن دينار عن جابر فذكره وهذا يرد على قول ابن حزم في الاتصال أنه لم يروه أحد من الناس إلا أبو الزبير عن جابر فظهر بما قررناه قوة هذا الحديث وصلاحيته للاحتجاج به ثم إننا نقيس المختلف فيه من ذلك على المتفق عليه فإن أحمد يجزم بعدم القطع على الخائن في العارية بغير الجحد وعلى الخائن في الوديعة وعلى المنتهب والمختلس والغاصب فلم يقل أحد بالقطع في الجحد مطلقا .

                                                            (الرابعة) : قوله فكلم أسامة النبي صلى الله عليه وسلم فيها : قد ينافيه قوله في حديث جابر عند مسلم والنسائي إن امرأة من بني مخزوم سرقت فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فعاذت بأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم والله لو كانت فاطمة لقطعت يدها فقطعت وذكر أبو داود في سننه أن في رواية أبي الزبير عن جابر أنها عاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي ولا امتناع أنها عاذت بأم سلمة وبزينب وأنه شفع لها أسامة لكن ذكر استعاذتها بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إشكال من حيث إن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم توفيت في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة كما ذكره ابن منده في الصحابة أنها توفيت بعد سبع سنين وشهرين من الهجرة وإذا كان كذلك فقد ثبت في الصحيحين من رواية يونس عن الزهري في هذا الحديث أن قريشا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح : وغزوة الفتح كانت بعد ذلك في بقية السنة في شهر رمضان فعلى هذا لعلها امرأة أخرى أو أن المراد بزينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصحف ذلك على بعض الرواة فإن المرأة هذه كانت قريبتها وقد رواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك من رواية موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر وفيه أنها عاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا رواه بالراء وبالباء الموحدة المكررة بينهما ياء آخر الحروف زاد أحمد . [ ص: 34 ] قال ابن أبي الزناد كان ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة وعمر بن أبي سلمة فعاذ بأحدهما وروى الحاكم أيضا بإسناده عن علي بن المديني قال كان ربيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة وعمر بن أبي سلمة وإنما عاذت المخزومية التي سرقت بأحدهما : انتهى .

                                                            وفي مصنف ابن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب فجاءه عمر بن أبي سلمة فقال إنها عمتي فقال لو كانت فاطمة الحديث .



                                                            (الخامسة) : فيه تحريم الشفاعة في الحد بعد رفعه إلى الإمام وفي رواية الصحيحين أتشفع في حد من حدود الله : وقد ورد التشديد في ذلك ففي سنن أبي داود عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله : ورواه الحاكم في مستدركه بلفظ فقد ضاد الله في أمره : .

                                                            ورواه الطبراني في معجمه الأوسط من حديث أبي هريرة بلفظ فقد ضاد الله في ملكه : .

                                                            وروى الدارقطني من حديث الزبير بن العوام في قصة سارق رداء صفوان اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه وروى الطبراني أيضا عن عروة بن الزبير قال لقي الزبير سارقا فشفع فيه فقيل له حتى نبلغه الإمام فقال إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سنن أبي داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب : وبالتحريم قال الجمهور وحكي عن الأوزاعي جواز الشفاعة والحديث حجة عليه كذا قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي والذي حكاه غيره عن الأوزاعي جواز الشفاعة قبل بلوغ الإمام كذا حكاه عنه الخطابي قال والدي رحمه الله لكن إذا كان الحق للإمام كما في حديث مسعود بن الأسود أن المرأة سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يعف عنه فيحتمل أن يقال لا يلزم أن تكون القطيفة التي في بيته ملكا له وبتقدير أن تكون ملكا له فهو مخير في إقامة الحد فرأى إقامته مصلحة ؛ لئلا يستند إلى تركه له من غير بيته لكون الحق له انتهى .

                                                            ونفى أبو العباس القرطبي الخلاف في ذلك فقال وهذا أي التحريم لا يختلف فيه وحكى النووي إجماع . [ ص: 35 ] العلماء على التحريم بعد بلوغ الإمام وأما الشفاعة قبل بلوغ الإمام فقد أجازها أكثر أهل العلم لما جاء في الستر على المسلم مطلقا لكن قال مالك ذلك فيمن لم يعرف منه أذى الناس فأما من عرف منه شر وفساد فلا أحب أن تقع فيه وجزم بذلك النووي في شرح مسلم وأما الشفاعة فيما ليس فيه حد وليس فيه حق لآدمي وإنما فيه التعزير فجائز عند العلماء بلغ الإمام أم لا ، والشفاعة فيه مستحبة إذا لم يكن المشفوع صاحب أذى ونحوه .



                                                            (السادسة) : قوله إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه : مخالف بظاهره لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر إنما أهلك من كان قبلكم الشح : وفي حديث معاوية إنما هلك من كان قبلكم حين اتخذ نساؤهم مثل هذا يعني وصل الشعر وأحاديث أخر والجمع بينهما أن من كان قبلنا أمم وطوائف كثيرة فبعض الأمم كان هلاكها بترك تعميم إقامة الحدود وبعضهم بكثرة السؤال والاختلاف وبعضهم بالشح فحاصل ذلك أن الحصر في هذه الأحاديث ليس على عمومه بل هو مخصوص للجمع بين مختلف الأحاديث وقال الشيخ تقي الدين يحمل ذلك على حصر مخصوص وهو الإهلاك بسبب المحاباة في حدود الله تعالى .



                                                            (السابعة) : فيه جواز الحلف من غير استحلاف وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب كما في هذا الحديث ونظائره .



                                                            (الثامنة) : قوله لو كانت فاطمة : إلى آخره فيه مبالغة في النهي عن المحاباة في حدود الله تعالى وإن فرضت في أبعد الناس من الوقوع فيها وقد قال الليث بن سعد رحمه الله بعد روايته لهذا الحديث وقد أعاذها الله من ذلك أي حفظها من الوقوع في ذلك وحماها منه إذ هي بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كقوله تعالى ولو تقول علينا بعض الأقاويل إلى آخر الآية وهو معصوم من ذلك وقد سمعنا أشياخنا رحمهم الله عند قراءة هذا الحديث يقولون أعاذها الله من ذلك وبلغنا عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه لم ينطق هذا اللفظ إعظاما لفاطمة رضي الله عنها وإجلالا لمحلها وإنما قال فذكر عضوا شريفا من امرأة شريفة وما أحسن هذا وأنزهه والظاهر أن ذكر فاطمة رضي الله عنها دون غيرها ؛ لأنها أفضل نساء . [ ص: 36 ] زمانها فهي عائشة في النساء لا شيء بعدها فلا يحصل تأكيد المبالغة إلا بذكرها وانضم إلى هذا أنها عضو من النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فلم يحمله ذلك على محاباتها في الحق وفيها شيء آخر وهو أنها مشاركة هذه المرأة في الاسم فينتقل اللفظ والذهن من إحداهما إلى الأخرى وإن تباين ما بين المحلين .

                                                            (التاسعة) : وقال أبو العباس القرطبي هذا إخبار عن أمر مقدر بقيد القطع بأمر محقق وهو وجوب إقامة الحد على البعيد والقريب الحبيب والبغيض ، لا ينفع في درئه شفاعة ولا تحول دونه قرابة ولا جماعة ، وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة قد يستدل به على أن ما خرج هذا المخرج من الكلام الذي يقتضي تعليق القول بأمر آخر ولا يمتنع وقد شدد جماعة في مثل هذا ومراتبه في القبح مختلفة .



                                                            (العاشرة) قال الخطابي وفيه دليل على أن القطع لا يزول عن السارق بأن يوهب له المتاع ولو كان ذلك مسقطا عنه الحد لأشبه أن يطلب أسامة من المسروق منه أن يهبه لها فيكون ذلك أعود عليها من الشفاعة .




                                                            الخدمات العلمية